للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستوى بعد ذلك أن يكون فعل الجانى هو الذى سبب الموت وحده أم أن الموت نشأ عن فعل الجانى بالذات، وعن أسباب أخرى تولدت عن هذا الفعل كتحرك مرض كامن لدى المجنى عليه، كما يستوى أن يكون الموت نشأ عن فعل الجانى وحده أو عن هذا الفعل وعن أسباب أخرى لا علاقة لها بفعل الجانى كالاعتداء الحاصل من شخص آخر.

ولا يعتبر فعل الجانى سببًا للموت إذا انعدمت رابطة السببية بين الفعل وموت المجنى عليه، أو إذا كانت قائمة ثم انقطعت بعد ذلك بفعل من شخص آخر ينسب إليه الموت دون فعل الجانى الأول، أو إذا كان فى إمكان المجنى عليه أن يدفع أثر الفعل دون شك فامتنع عن دفعه دون أن يكون للجانى دخل فى امتناعه.

والجانى مسئول عن نتيجة فعله، سواء كان الموت نتيجة مباشرة لفعله أو كان نتيجة غير مباشرة لهذا الفعل، سواء كان السبب قريبًا أم بعيدًا ما دام الفعل سببًا للنتيجة.

لكن فقهاء الشريعة مع هذا لا يسمحون بتوالى الأسباب إلى غير حد؛ بل يقيدون هذا التوالى بالعرف، لأن السبب عندهم هو ما يولد المباشرة توليدًا عرفيًا فما اعتبره فهو ليس سببًا له ولو كان سببًا قريبًا.

وقد سلك الفقهاء هذا المسلك لأنه أقرب إلى العدالة وألصق بطبائع الأشياء ولو أنهم اكتفوا فى تحديد رابطة السببية بالسبب المباشر - كما فعل شراح القانون الفرنسى- لأدى ذلك إلى خروج كثير من الأفعال التى يعتبرها هذا العقل والعرف قتلاً ولو أنهم بالغوا فأخذوا بكل سبب غير مباشر - كما فعل الشراح الألمان - لأدخلوا فى دائرة القتل أفعالاً كثيرة لا يعتبرها عرف الناس ولا منطقهم قتلاً.

ومن أجل ذلك جاءت نظرية السببية فى الشريعة مرنة تتسع لكل ما يتسع له عرف الناس ومنطقهم عادلة لأنها تعتمد على شعور الناس بالعدالة وإحساسهم بها، بل إن تحديد كفاية السبب لتحقق النتيجة بالعرف ضمن للنظرية البقاء ما بقى الناس لأن الناس سواء تقدموا أو تأخروا؛ جهلوا أو علموا لهم عرف

<<  <  ج: ص:  >  >>