للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غالبًا فهو شبه عمد. وكذلك الحكم لو أكره إنسانًا على أن يشرب السم بشرط أن لا يعلم بأنه سم.

ويختلف مذهب الشافعى عن مذهب أحمد فيما عدا ذلك، أى فى حالة تقديم الطعام المسموم للمجنى عليه أو وضع السم فى شرابه أو طعامه فيرون أن الطعام المسموم أو الشراب المسموم إذا قدم لضيف فإن كان الضيف صبيًا غير مميز أو مجنونًا أو أعجميًا يرى طاعة المضيف وكان السم مما يقتل غالبًا فالجانى قاتل عمدًا وإن لم يكن مما يقتل غالبًا فالقتل شبه عمد.

أما إذا كان الضيف بالغًا عاقلاً فيرى البعض أن الجانى قاتل عمدًا إذا كان السم مما يقتل غالبًا، فإن لم يكن يقتل غالبًا فالقتل شبه عمد ويرى البعض الآخر أن القتل فى كل حال شبه عمد. ولعل حجتهم أن البالغ العاقل يستطيع أن يمتنع عن تناول المادة المسممة بعكس غير المميز فإنه يغرر به بسهولة ويصعب عليه الامتناع عن تناولها، والقدرة على الامتناع تجعل التسميم غير قاتل غالبًا فيكون القتل شبه عمد، ويرى البعض الثالث أن لا مسئولية على الجان لأنه تناول المادة المسممة بنفسه فقطع فعله فعل الجانى أى أن المباشرة اجتمعت مع السبب فتغلبت عليه. ويرد على ذلك بأن المباشرة لا تغلب السبب إلا إذا اضمحل معها، ولا يضمحل السبب إلا إذا علم المجنى عليه أن الطعام مسموم ثم تناوله ففى هذه الحالة تغلب المباشرة السبب ويقطع فعل المجنى عليه فعل الجانى.

وإذا دس الجانى السم فى طعام المجنى عليه أو شرابه فأكله جاهلاً ومات فيرى الشافعيون فيه الآراء الثلاثة السابقة، ولا يفرقون بين المميز وغير المميز كما فى حالة تقديم الطعام أو الشراب المسموم إلى الضيف (١) .

وأساس الخلاف بين الشافعى وأحمد هو اختلاف الرواة فى حديث اليهودية: قدمت شاة مسمومة للنبى - صلى الله عليه وسلم - فأكل منها هو وبشر بن البراء، وقد روى أنس بن مالك الحديث ولم يذكر أن النبى قتلها لما مات بِشْر، ورواه أبو سلمة


(١) نهاية المحتاج ج٣ ص٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>