للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعقوبة القتل العمد (١) والإذن بالجرح أو القطع فى مذهب الشافعى يسقط العقاب عن الجانى ما لم تر الجماعة عقابه تعزيرا، فإذا أدى الجرح أو القطع إلى الموت؛ فمن فقهاء المذهب من يرى مسئولية الجانى عن القتل العمد ويدرأ القصاص لشبهة الإذن فتكون الدية هى العقوبة ومن فقهاء المذهب من يرى أن لا عقاب لأن الموت تولد من مأذون فيه (٢) .

والإذن بالجرح والقطع عند أحمد كالإذن بالقتل لا عقوبة عليه وإن كان الإذن لا يبيح الفعل؛ لأن له الحق فى إسقاط العقوبة، وقد أسقطها بإذنه.

٩٣ - أسباب الخلاف بين الفقهاء فى الإذن بالقتل: أساس الاختلاف فى هذه المسألة أن للمجنى عليه وأوليائه العفو عن العقوبة فى القتل وهى القصاص أو الدية إذا حلت محل القصاص، فإذا عفوا سقطت العقوبة المقررة للقتل، ولم يبق إلا عقوبة التعزير إذا رأى أولياء الأمور تقريرها فى حالة العفو فمن قال بأن الإذن يمنع من العقاب اعتبر الإذن عفوًا مقدمًا ورتب عليه سقوط العقوبة، ومن قال بأن الإذن لا يمنع من العقاب رأى أن الإذن لا يعتبر عفوًا لأن العفو عن القتل يستدعى وجود القتل، فإذا جاء العفو قبل القتل فهو عفو غير صحيح لأنه لم يصادف محله، ومن جعل العقوبة الدية اعتبر الإذن شبهة تدرأ القصاص، ومن قال بالقصاص لم يجعل الإذن شبهة درائة للقصاص (٣) .

٩٤ - مقارنة بين الشريعة والقانون: يتفق مذهب مالك وأبى حنيفة ورأى الشافعى الذى يقول بالعقاب فى حالة الرضاء بالقتل أو الجرح الذى ينتهى بالموت مع القوانين الوضعية الحديثة، لأنها تعتبر القتل والجرح بالرغم من الرضاء أو الإذن جريمة وتعاقب عليها، وإذا كان بعض الفقهاء يرى أن تكون العقوبة القصاص، والبعض يرى أن تكون الدية فهذا ليس بذى أهمية، لأن استبدال الدية بالقصاص ليس إلا استبدال عقوبة مقررة شرعًا بعقوبة مقررة شرعًا. وهو يقابل فى القوانين الحديثة ما تقرره من الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة او المؤقتة عقوبة للقتل العمد مع ترك الحرية للقضاة فى اختيار إحدى العقوبتين وتقدير ظروف الجريمة والمجرم. ولا شك أن إذن المجنى عليه فى الجريمة وإن لم يكن له أثر على تكوين الجريمة إلا أنه مما يدعو القضاة إلى استعمال الرأفة وإذا لم يحملهم على تخفيف العقوبة إلى حدها الأدنى فإنه يمنعهم من رفعها إلى حدها الأعلى، فتكون النتيجة العملية فى القانون أن يعاقب الجانى المأذون له فى الفعل بعقوبة بسيطة الفرق بينها وبين الحد الأعلى المقرر أصلاً كالفرق بين القصاص والدية فى الشريعة.

٩٥ - القصد المحدود وغير المحدود: لا يفرق الفقهاء فى مذهبى أبى حنيفة وأحمد بين القصد المحدود والقصد غير المحدود سواء فى تعريف أنواع القتل أو فى الأمثلة التى يضربونها لمختلف وسائل القتل، ومن ثم يمكن القول بأنه يستوى فى مذهبى أبى حنيفة وأحمد أن يكون القصد عند الجانى متجهًا إلى قتل إنسان بعينه أو إلى قتل إنسان غير معين فهو مسئول عن القتل العمد فى الحالين ما دام قد أتى الفعل بقصد القتل، فمن أطلق عيارًا ناريًا على شخص معين، ومن ألقى قنبلة على جماعة بقصد القتل دون أن يقصد شخصًا معينًا من الجماعة كلاهما قاتل عمدًا عند أبى حنيفة وأحمد.

أما فى مذهب الشافعى (٤) فيفرقون بين ما إذا قصد معينًا أو غير معين فإن قصد معينًا فالفعل قتل عمد، وإن قصد غير معين فالفعل قتل شبه عمد،


(١) الشرح الكبير للدردر ج٤ ص٢١٣.
(٢) نهاية المحتاج ج٧ ص٢٤٨ , ٢٩٦ , تحفة المحتاج ج٤ ص٣٠ , ٣١.
(٣) أما فى حالة الجرح أو الجرح المنتهى بالموت فاساس الخلاف انهم يعتبرون الإذن بالجرح عفواً مقدماً عن الجرح ويعتبرون هذا العفو صحيحاً ويرتبون عليه إسقاط العقوبة إلا مالك فغنه يرى الغذن السابق على الجرح باطلاً لأنه لم يصادف محله , ومن يرى عدم العقاب فى حالة الموت يرى الموت متولداً من الجرح وهو مأذون فيه وما تولد من معفو عنه أخذ حكمه أما من يرى العقاب فيرى أن الغذن كان عن جرح لا قتل فإذا ظهر أن الفعل قتل فهو غير مأذون فيه لكنه مع ذلك اعتبر الغذن الباطل شبهة تدرأ القصاص.
(٤) نهاية المحتاج ج٧ ص٢٣٥ وما بعدها , تحفة المحتاج ج٤ ص٣٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>