للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن لا يعطى الولى حق الاستيفاء يعطى ولى المجنون حق العفو عن القصاص إلى الدية، بشرط أن يكون المجنون محتاجًا إلى النفقة، فإن لم يكن محتاجًا فالعفو باطل كما لو عفا على غير مال. أما الصبى فقد اختلفوا فى شأنه: فأجاز بعضهم أن يكون للولى حق العفو عن القصاص إلى الدية إذا كان محتاجًا إلى النفقة ولم يجز البعض الآخر ذلك للولى. وأساس التفرقة بين الصبى والمجنون أن بلوغ الصبى ينتظر بعد وقت معين ولكن إفاقة المجنون ليس لها وقت ينتظر (١) . وأبو حنيفة لا يعطى ولى الصغير والمعتوه حق العفو لأن العفو لا يكون إلا من صاحب الحق والحق للصغير والمعتوه وليس لهما، وإنما لهما ولاية استيفاء حق وهب للصغير، وولايتهما مقيدة بالنظر للصغير والعفو ضرر محض لأنه إسقاط حق أصلاً ورأيًا فلا يملكانه وإنما لهما حق الصلح على مال. وأبو حنيفة متأثر فى هذا بنظريته التى تقضى بأن حق الولى فى القصاص عينًا وأن العفو للدية يقتضى رضاء الجانى، ويظهر أن أبا حنيفة يرى أن العفو لا يكون عفوًا ما دام متوقفًا على رضاء الجانى وإنما يكون صلحًا ولذلك فهو لا يتكلم إلا عن العفو المطلق دون قيد. أما عند مالك فيعتبرون التنازل عن القصاص إلى الدية عفوًا ولو أن الأمر معلق على رضاء الجانى، ويعبر عنه هكذا ويعبر عنه أكثر الشراح بالصلح، ومن عبر عنه بالعفو عبر عنه أكثر من مرة بأنه صلح، مما يدعو إلى الاعتقاد بأن لفظ العفو تجاوز فى التعبير، وقد جاء هذا التعبير فى الشرح لا فى المتن مما يؤكد فكرة التجوز فى التعبير أو الخطأ (٢) .

هل يصح قصاص الصغير والمجنون؟: الأصل فى تأخير القصاص حتى يبلغ الصبى ويفيق المجنون، أن القصاص حق وأن استعماله يقتضى فى المستعمل الأهلية والصبى والمجنون كلاهما غير أهل لاستيفاء الحقوق، لكن إذا فرض أن الصبى أو المجنون وثب على القاتل فقتله فهل يعتبر كلاهما مستوفيًا لحقه


(١) الشرح الكبير ج٩ ص٣٨٠ , نهاية المحتاج ج٧ ص٢٨٤.
(٢) مواهب الجليل ج٦ ص٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>