للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا فات محل القصاص أى انعدم محله بأن مات من عليه القصاص سقطت العقوبة لأن محلها انعدام، ولا يتصور تنفيذها بعد انعدام محلها.

وقد اختلف الفقهاء فيما إذا كان سقوط القصاص بموت الجانب يوجب الدية فى ماله أم لا؟ فرأى مالك وأبو حنيفة أن انعدام محل القصاص يترتب عليه سقوط عقوبة القصاص، ولا يترتب عليه وجوب الدية فى مال القاتل، لأن القصاص واجب عينًا، والدية لا تجب إلا برضاء القاتل فإذا مات القاتل سقط الواجب وهو القصاص ولم تجب الدية لأن القاتل لم يوجبها على نفسه، ويستوى أن يكون الموت بآفة سماوية أو بيد شخص آخر ما دام أن الموت بحق، فإذا مات الجانى بمرض أو قتل فى قصاص بشخص آخر أو زنًا أو ردة، ففى كل هذه الحالات تسقط عقوبة القصاص ولا تجب بدلها الدية.

أما إذا قتل ظلمًا، فيرى مالك أن القصاص لأولياء المقتول الأول، فمثلاً من قتل رجلاً فعدا عليه أجنبى فقتله عمدًا فدمه لأولياء المقتول الأول، ويقال لأولياء المقتول الثانى: أرضوا أولياء المقتول الأول وشأنكم بقاتل وليكم فى القتل أو العفو، فإن لم يرضوهم فلأولياء المقتول الأول قتله أو العفو عنه، ولهم ذلك إن لم يرضوا بما بذلوا لهم من الدية أو أكثر منها. وإن قُتل خطأ فديته لأولياء المقتول الأول (١) . ويسوى أبو حنيفة بين الموت بحق والموت بغير حق فكلاهما يسقط حق القصاص سقوطًا مطلقًا ولا يوجب الدية فى مال الجانى ولا فى مال غيره (٢) إذا جنى عليه. ويرى الشافعى وأحمد أن فوات محل القصاص يسقط عقوبة القصاص فى كل الأحوال، سواء كان الموت بحق أو بغير حق، ولكنه يؤدى إلى وجوب الدية فى مال الجانى، لأن الواجب فى القتل أحد شيئين: عين القصاص أو الدية فإذا تعذر أحدهما لفوات محله وجب الآخر،


(١) مواهب الجليل ج٦ ص٢٣١.
(٢) بدائع الصنائع ج٧ ص٢٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>