للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعفو عند مالك وأبى حنيفة هو إسقاط القصاص مجانًا أما التنازل عن القصاص مقابل الدية فهو ليس عفوًا عندهما، وإنما هو صلح (١) ؛ لأن تنازل الولى لا ينفذ إلا إذا قبل الجانى دفع الدية (٢) .

ويشترط مالك وأبو حنيفة أن يكون العفو عن القصاص من صاحب الحق؛ لأن العفو عنده إسقاط الحق وإسقاط الحق محال ممن ليس له حق، ويرتب على هذا أن العفو لا يصح من أجنبى لأنه ليس صاحب الحق ولا من الأب أو الجد فى قصاص وجب للصغير خاصة، لأن الحق للصغير وليس لهما وسلطتهما قاصرة على استيفاء الحقوق الواجبة للصغير، وولايتهما مقيدة بالنظر لمصالح الصغير، والعفو ضرر محض لأنه إسقاط الحق أصلاً ورأسًا فلا يملكانه، وكذلك لا يملك السلطان العفو فيما له ولاية الاستيفاء فيه (٣) ولكن الأب والجد والسلطان يملكون الصلح.

ولكن الشافعى وأحمد يجيزان أن يكون العفو من الأب والجد على مال كما بينا فى الفقرة ١٦٧ كما يجيزون للسلطان أن يعفو على مال ولكنهم لا يجيزون له العفو مجانًا.

والفرق بين أبى حنيفة والشافعى وأحمد هو اختلاف فى تكييف التنازل عن القصاص على الدية، فأبو حنيفة يسميه صلحًا وباقى الأمة يسمونه عفوًا، وأبو حنيفة منطقى فى وجهة نظره لأنه يشترط رضاء الجانى بدفع الدية. فإذا كان التنازل معلقًا على رضاء الجانى بمقابل التنازل وهو الدية فالتنازل صلح لا عفو، والشافعى وأحمد يتبعان المنطق فى وجهة نظرهما لأن تنازل أولياء المجنى عليه عن القصاص على الدية لا يتوقف على رضاء الجانى إذ الواجب عندهما بالقتل


(١) الزيلعى ج٦ ص١٠٧ - ١٠٨ , ١١٣ , البحر الرائق ج٨ ص٣٠١ , ٣٠٢.
(٢) يسمى بعض الفقهاء فى مذهب مالك التنازل عن القصاص بمقابل عفواً , ويسميه بعضهم صلحاً وهؤلاء يتفق رايهم مع أبى حنيفة , راجع الفقرة ١٦٧.
(٣) راجع الفقرة ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>