ألوية الحروب للقادة، ويبعث منه رسله وسفراءه لملوك وأمراء العالم، ويستقبل الوفود. باختصار فقد كان المسجد مقرّا لنشر الدعوة ومركزا لإدارة الدولة.
ثانيا: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقد لا يتصور البعض أن هذه كانت خطوة هامة في إقامة كيان الدولة الإسلامية، فالمهاجرون والأنصار هم نواة المجتمع الجديد فتوثيق العلاقات بينهم أمر ضروري، خصوصا وأن الأساس الذي قامت عليه المؤاخاة أساس جديد لم يألفه العرب أو يعرفوه من قبل بل هو من ثمرات الرسالة الإسلامية، فقد قامت المؤاخاة على أساس العقيدة، والعقيدة وحدها، وهذا مؤشر في غاية الأهمية إلى أن الأمة التي يريد الإسلام إنشاءها لن يعترف فيها بأية رابطة تقوم على العصبية أو العنصرية القومية أو الجنسية، فالرابطة الوحيدة التي يقيم لها الإسلام وزنا هي رابطة العقيدة: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: ١٠] وقد ضرب النبي صلّى الله عليه وسلم مثلا عمليّا على ذلك، حين آخى بين عمه حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة مولاه «١» ، وهذا كله جديد في بيئة تقدس الأحساب والأنساب وتؤمن بالعصبية.
ثالثا: معاهدة المدينة، أو الكتاب الذي كتبه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينه وبين اليهود.
فبعد أن آخى الرسول صلّى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، واطمأن إلى موقفهم وسلامة جبهتهم التفت إلى المدينة ككل، فأراد أن يضع لها نظاما أو أساسا ثابتا يحدد العلاقات والحقوق والواجبات بين سكانها جميعا، مسلمين وغير مسلمين، فقد كان يقيم في المدينة اليهود، فما وضعهم في الدولة الجديدة، فاليهود قبل الهجرة كانوا يتقاسمون الزعامة في المدينة مع الأوس والخزرج، بل أحيانا كانوا يتغلبون عليهم، والآن فالوضع قد اختلف، بل تغيّر تغيّرا كاملا، فالأوس والخزرج قد آمنوا بالله ورسوله، وأسلموا زمامهم للنبي صلّى الله عليه وسلم أما اليهود فلم يؤمنوا ولم يقبلوا الرسالة، بل فضلوا البقاء على دينهم، فلا بد من تحديد موقفهم في الدولة الجديدة بشكل واضح وبنصوص صريحة يرجع إليها عند الضرورة؛ فكانت معاهدة المدينة التي تعطينا دليلا آخر على عالمية الإسلام كرسالة وعالميته كدولة، وطبيعته التنظيمية.
فقد نظمت تلك المعاهدة كافة الحقوق والواجبات والالتزامات بين سكان المدينة جميعا، المقيمين فيها من قبل والمهاجرين الوافدين إليها، واعتبرتهم جميعا سواء في
(١) انظر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار- سيرة ابن هشام (٢/ ١٢٣) ، ابن سعد- الطبقات الكبرى (١/ ٢/ ١) وما بعدها. دار صادر بيروت، ود. هيكل- حياة محمد (ص ٢٢٣) .