للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلام العالمية. ذلك الدين الذي لا يقيم أي وزن لآية رابطة تقوم على العصبية القبلية أو القومية أو الجنسية، فالرابطة الوحيدة التي يعترف بها الإسلام هي رابطة العقيدة؛ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... [الحجرات: ١٠] . فهي الرابطة التي تحقق المساواة الكاملة بين البشر. ولقد ضرب النبي صلّى الله عليه وسلم أروع الأمثلة العملية على ذلك، فقد آخى بين عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ومولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه «١» ، وبهذه المؤاخاة أصبح المسلمون أمة واحدة، متميزة بخصائصها الدينية في مواجهة المجموعات الآخرى في المدينة، ومنهم اليهود.

ثالثا: معاهدة المدينة. فبعد أن نظم الرسول صلّى الله عليه وسلم العلاقات بين المسلمين على النحو السابق، كان لا بد من تنظيم العلاقات بين المسلمين وبين بقية سكان المدينة، ولا بد من تحديد الحقوق والواجبات لكل طرف؛ حتى يعرف كل إنسان ما له وما عليه، وهنا يقدم لنا الرسول صلّى الله عليه وسلم أنموذجا آخر، على عالمية الإسلام وشمول مبادئه، وطبيعته التنظيمية، ذلك الأنموذج الذي تمثل في المعاهدة التي عقدها الرسول مع اليهود وغيرهم من سكان المدينة، تلك المعاهدة التي تعتبر أدق وأوفى المعاهدات في التاريخ، والتي أصبحت الأساس الدستوري لقيام الدولة الإسلامية في المدينة بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم، باعتراف جميع الأطراف التي اشتركت فيها ووقعت عليها.

ولقد نظمت معاهدة المدينة كافة الحقوق والواجبات والالتزامات بين سكان المدينة جميعا، باعتبارهم مواطنين في الدولة الجديدة، مع اختلاف العقيدة، حيث اعتبرت المعاهدة اليهود طرفا فيها، واعتبرتهم مواطنين في المدينة، ومع ذلك ضمنت لهم حرية عقائدهم وشعائر دينهم، والمحافظة على ممتلكاتهم، وعلى كل حال لا نريد أن نطيل في شرح تفاصيل معاهدة المدينة في هذا البحث، وإنما يهمنا منها أمر واحد، وهو أنها كانت إعلانا بميلاد دولة الإسلام بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم، وباعتراف جميع أطرافها بما فيهم اليهود، وقد جاء هذا الاعتراف في نص صريح في المعاهدة.

«وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ... » «٢» . بهذا الشكل تم إعلان قيام


(١) انظر موضوع المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ابن هشام، القسم الأول (ص ٥٠٤) وما بعدها. وابن سعد- الطبقات الكبرى (١/ ٢/ ١) وما بعدها، د. هيكل- حياة محمد (ص ٢٢٣) .
(٢) راجع نص معاهدة المدينة في ابن هشام، القسم الأول (ص ٥٠١) وما بعدها، ومحمد حميد الله- الوثائق السياسية للعهد النبوي (ص ٤١) وما بعدها، ود. هيكل- حياة محمد (ص ٢٢٥) وما بعدها.

<<  <   >  >>