للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سوى أن العاهل البيزنطي الكبير قد أدرك أن صلة القرابة بين العرب القاطنين في الشام من قبل، والعرب الفاتحين القادمين من الجزيرة العربية ستعمل عملها في استقرار الفتح الإسلامي في الشام، خاصة بعد أن يعرف عرب الشام ما يحمله لهم الإسلام من عزة وكرامة وبعد أن يتبينوا أن حركة الفتوحات الإسلامية قد حررتهم من السيطرة البيزنطية التي كانوا يبغضونها لأسباب كثيرة دينية وغير دينية، ومن ثم سيكون صعبا على الروم استرداد تلك البلاد.

وربما يكون هذا هو ما فهمه الخليفة عمر بن الخطاب نفسه، ورتب خططه المستقبلية على أساسه، فالمسلمون إذا عملوا على نشر الإسلام بين إخوانهم عرب الشام، ووضحوا لهم ما يحمله لهم من قيم العدل والحرية والمساواة فهنا يمكن أن تسهم قرابة الدم في استقرار للفتح والحكم الإسلامي، وعندئذ لن يحتاج المسلمون إلى فتوحات أو توسعات جديدة؛ لأن الإسلام ليس في حاجة إلى قوة عسكرية لينتشر، ولكنه دين ينتشر بقوة مبادئه وسماحته، فالقوة لا تستطيع أن تفرض الدين أبدا على القلوب والله تعالى يقول: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ [البقرة: ٢٥٦] ولو كان استخدام القوة لنشر الإسلام واردا لكان في إمكان المسلمين- وقد انتصروا في كل المعارك انتصارات حاسمة- أن يجعلوا كل الشعوب المفتوحة مسلمة ولكن هذا لم يحدث، وإنما كل الذين أسلموا في تلك البلاد أسلموا طواعية، دون إجبار أو إكراه، ونتحدى أي مؤرخ أن يدلنا على حادثة واحدة أجبر فيها المسلمون أحدا على اعتناق الإسلام بالقوة.

ويعرف الناس جميعا أن الإسلام قد انتشر في بلاد بعيدة جدّا عن موطنه الأصلي مثل جنوب شرق آسيا، لا عن طريق القوة، فلم يذهب جندي واحد إلى بلد مثل أندونيسيا لينشر الإسلام فيها؛ بل انتشر الإسلام هناك عن طريق التجار المسلمين الذين كانوا يذهبون بتجارتهم ويتعاملون بالصدق والأمانة، ثم يؤدون فروض ربهم من صلاة وصيام، وكان الناس يسألونهم عما يفعلون، فيشرحون لهم حقائق ومبادئ وشرائع الإسلام فأقبل الناس على اعتناقه طواعية وتحولت أندونيسيا بكاملها إلى الإسلام، وعدد شعبها الآن يقترب من عدد الأمة العربية مجتمعة؛ قل ذلك عن بقية البلاد في جنوب شرق آسيا، وفي أفريقيا شرقا وغربا، ونحن هنا نريد مثلا لا استقصاء وحصرا؛ لعل الذين يدّعون أن الإسلام انتشر بالسيف يكفون عن ترديد تلك الفرية.

نعود إلى سياق الحديث السابق- بعد هذا الاستطراد الذي كان ضروريّا- فنلفت النظر إلى أن صلة القرابة بين عرب الجزيرة العربية الفاتحين، والعرب القاطنين

<<  <   >  >>