للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في كل من العراق والشام، لم تحدث تأثيرها في استقرار الفتوحات الإسلامية إلا بعد انتهاء المعارك، أما أثناء احتدامها فكانوا كلهم- تقريبا- مع الأعداء، فمن الواضح أن البيزنطيين لم يكونوا يقاتلون المسلمين بالجيش البيزنطي وحده، بل كان عدد كبير من العرب يقاتل معهم، فقد قاتلوا معهم في معارك وادي عربة، وفي أجنادين، ودمشق، بل يقول إدوارد جيبون: إن جيش الروم في اليرموك كان يتكون من مائة وأربعين ألفا، كان منهم ستون ألفا من العرب، بقيادة جبلة بن الأبهم «١» .

بل كانت تعليمات هرقل لجبلة أن يكون هو وقومه في المقدمة لمواجهة الجيوش الإسلامية، فقد قال له: كونوا في المقدمة فإن هلاك كل شيء بجنسه ولا يقطع الحديد إلا الحديد «٢» .

إذن كان عرب العراق عونا للفرس، وعرب الشام عونا للروم ضد المسلمين، بل يمكننا القول: إن عداء عرب الشام للإسلام والمسلمين منذ البداية كان من الأسباب المباشرة للصدام بين المسلمين والبيزنطيين.

ولذلك فليس صحيحا ما ذهب إليه بعض الكتاب، مثل فيليب حتى من أن عرب الشام كانوا عونا للعرب الفاتحين، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث قال:

إن الفتح الإسلامي كان حركة قومية، وأن الفوز فيه كان للقومية العربية لا للدين الإسلامي «٣» ، أرأيت شططا في القول أبعد من هذا؟ فهل كان المسلمون الفاتحون يفكرون في القومية العربية آنذاك؟ سبحانك ربي هذا بهتان عظيم، وكل هذه الأقوال هدفها تقليل الجهد الذي بذله المسلمون في الفتوحات الإسلامية. على كل حال ما يهمنا من شرح أوضاع العرب في الشام والعراق وموقفهم من الإسلام قبل وأثناء وبعد الفتوحات، هو أن نفهم موقف الخليفة عمر بن الخطاب من تلك الفتوحات الذي هو هدفنا من هذا البحث؛ لأن هذا الموقف في حد ذاته من أقوى الأدلة على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، وأن الحرب لم تكن هدفا من أهداف الإسلام والمسلمين؛ وإنما كان وسيلة ضرورية لإزالة العوائق والسدود التي أقامها الفرس والروم ضد الإسلام، فلو زالت تلك العوائق لم يعد هناك مبرر للحرب أبدا،


(١) نقلا عن كتاب خالد بن الوليد لأغا إبراهيم أكرم (ص ٤٣٣) .
(٢) فتوح الشام للواقدي (١/ ١٥٢) .
(٣) فيليب حتى- تاريخ العرب (ص ١٩٧) نقلا عن حركة الفتوحات الإسلامية للدكتور شكري فيصل (ص ٤٥) .

<<  <   >  >>