للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخليفة رئيس الدولة.

وقد درج الخلفاء على هذا التقليد وحافظوا عليه، بل من الطريف أن زوجات الخلفاء كن يبعثن الهدايا إلى زوجات الأباطرة، فقد روى الطبري «١» أن عمر بن الخطاب أرسل وفدا إلى القسطنطينية، إلى الإمبراطور هرقل، في أمر يخص العلاقات بين الدولتين، فبعثت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب التي كانت زوجا لعمر إلى زوجة الإمبراطور بعض الهدايا منها الطيب، وأشياء تخص النساء، سماها الطبري «أخفاش من أخفاش النساء» دسته إلى الوفد وأمرت بتسليمه إليها، فلما وصلت هدايا أم كلثوم إلى زوجة الإمبراطور فرحت بها، وجمعت زوجات كبار رجال الدولة، وأعطتهن منها وقالت لهن: أشرن علي في هدية جاءتني من بنت نبي العرب وزوجة أميرهم، فأشرن عليها أن تكون هديتها إلى أم كلثوم غالية وثمينة، فبعثت إليها بهدايا كثيرة، وكان فيها عقد فاخر، من الأحجار الكريمة، فلما عاد الوفد الإسلامي إلى عمر بن الخطاب، ورأى العقد سأل عنه، فأخبروه الخبر، فدعا الناس إلى صلاة جامعة في مسجد الرسول، وخاطبهم قائلا: «لا خير في أمر أبرم عن غير شورى من أموري، قولوا في هدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم، فأهدت لها امرأة ملك الروم. فقال قائلون: هو لها بالذي لها- يعني هدية بهدية- وليست امرأة الملك بذمة لك فتصانع، ولا تحت يدك فتتقيك، فقال: لكن الرسول رسول المسلمين، والبريد بريدهم ... فأمر برده- العقد- إلى بيت المال، ورد عليها- أم كلثوم- بقدر نفقتها» «٢» أي: إن عمر رأى أن الخيول التي حملت الهدايا ملك للدولة، والرجال الذين أوصلوها موظفين في الدولة، ولا ينبغي أن تستخدمهم زوجته في أغراض شخصية، ولذلك صادر العقد، ووضعه في بيت المال، وعوضها عن قيمة هداياها، التي كانت بسيطة يسيرة، ودلالة هذه القصة على نزاهة الخليفة وأهل بيته عن المال العام جلية ظاهرة، وهي أيضا دلالة على أن الإسلام يحبذ العلاقات الودية بين المسلمين وجيرانهم، ولا يمانع في تبادل الهدايا معهم.

ومن الجدير بالذكر في هذه القصة أن الخليفة العظيم عمر بن الخطاب لم يتعرض إلى ما قامت به زوجته من الاتصال بزوجة الإمبراطور، وتبادل الهدايا معها- ولم


(١) تاريخ الطبري (٤/ ٢٦٠) ، وكانت هناك مراسلات عديدة بين عمر بن الخطاب والإمبراطور هرقل راجعها في المصدر نفسه.
(٢) تاريخ الطبري (٤/ ٢٦٠) .

<<  <   >  >>