للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعترض عليه- وإنما كانت تصرفه برد الهدايا الثمينة إلى بيت المال، لفرط حساسيته نحو المال العام.

إن سجل العلاقات بين الدولتين الإسلامية والبيزنطية حافل بأخبار تبادل الهدايا بين الخلفاء والأباطرة، فلم يكن وفد يحضر من إحدى عاصمتي الدولتين إلى الآخري دون أن يحمل معه الهدايا والطرف التي تليق بشخص الخليفة إن كانت قادمة من القسطنطينية، وبشخص الإمبراطور إن كانت آتية من عاصمة الخلافة، وكان من التقاليد المتبعة أن الوفد عند ما يصل إلى الحدود يستقبل استقبالا لائقا من قبل وفد من البلد المضيف، ويكرمهم وبصحبهم إلى مقابلة الخليفة أو الإمبراطور إن كان ذلك ضروريّا، وقبل ذلك يلقنهم الآداب والتقاليد التي يجب أن تراعى عند مقابلة رئيس الدولة «١» .

وليس بالوسع في هذا البحث استقصاء كل الأخبار المتعلقة بتبادل الهدايا بين الخلفاء والأباطرة، ولذلك نقتصر على ذكر نماذج منها تكفي للدلالة على حسن العلاقات بين الدولتين، وجنوحهما إلى السلام وحسن الجوار، على الرغم مما بينهما من خلافات.

من تلك النماذج ما حدث بين الخليفة العباسي هارون الرشيد، ومعاصره الإمبراطور البيزنطي نقفور، اللذين بدأت علاقاتهما بداية سيئة وتبادلا الرسائل ذات اللهجة الشديدة، بل وصل الأمر إلى حد الاشتباك المسلح- على الحدود- كما سبقت الإشارة- لكنهما سرعان ما جنحا إلى السلم، ودخلت علاقاتهما في دور سلمي، وتبادلا الرسائل الودية ذات اللهجة الهادئة، كما تبادلا الهدايا، وأخذت الوفود تترى بينهما وكانت وفودا على مستوى عال، وكان من تلك الوفود وقد أتى من قبل الإمبراطور إلى الرشيد يحمل رسالة وبعض الطلبات الشخصية وقد لباها الرشيد كلها. يقول الطبري: «وكتب نقفور مع بطريقين من عظاماء بطارقته في جارية من سبي هرقلة «٢» كتابا، نسخته لعبد الله هارون أمير المؤمنين من نقفور ملك الروم، سلام عليكم، أما بعد: أيها الملك إن لي إليك حاجة لا تضرك في دينك ولا دنياك، هينة يسيرة؛ أن تهب لابني جارية من بنات أهل هرقلة، كنت قد


(١) د. إبراهيم العدوي- الأمويون والبيزنطيون (ص ٢٨٥) . طبع القاهرة (١٩٦٣ م) .
(٢) كانت هذه الجارية قد وقعت أسيرة في أيدي المسلمين عند ما غزا الرشيد هرقلة وكانت مخطوبة لابن الإمبراطور.

<<  <   >  >>