بابن إسحاق» . وقال عنه الإمام الشافعي:«من أراد التبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق» . ويقول عنه ابن خلكان وهو راوي هذه الأخبار:«وأما في المغازي والسير فلا تجهل إمامته» ، وسئل يحيى بن معين عن ابن إسحاق فقال:
«قال عاصم بن عمر بن قتادة: لا يزال في الناس علم ما عاش ابن إسحاق» . وقال سفيان بن عيينة:«لا يزال في المدينة علم ما عاش هذا الغلام- يقصد ابن إسحاق-» وقال عنه الذهبي، وهو معروف بتحريه ودقته وصرامته في الحكم على الرجال:«والذي تقرر عليه العمل أن ابن إسحاق إليه المرجع في المغازي والأيام النبوية.. وكان أحد أوعية العلم، حبرا في معرفة المغازي والسير»«١» . وأقوال العلماء فيه مستفيضة، وكلها مجمعة على إمامته في المغازي والسير، لذلك رأينا أن نخصه بمزيد من التقصي والتفصيل لأخباره، حتى يعرف المسلمون علماءهم وأصحاب الفضل في إيصال أخبار وسير ومغاز وجهاد رسولهم وصحابته إليهم فمن هو ابن إسحاق.
هو محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار- وقيل: يسار بن كوتان- المطلبي بالولاء، المديني؛ نسبة إلى مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم وكان يكنّى بأبي بكر، وقيل:
بأبي عبد الله، وكان جده يسار من أهل قرية عين التمر بالعراق، وقد وقع في أسر المسلمين عندما فتح خالد بن الوليد رضي الله عنه عين التمر فيما فتح من أرض العراق (سنة ١٢ هـ) في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه (١١- ١٣ هـ) وأرسل يسار بن خيار مع غيره من الأسرى إلى المدينة المنورة- عاصمة الدولة الإسلامية في ذلك الوقت- ولا يعرف على وجه اليقين ما إذا كانت أسرته عربية أم أعجمية، وإن كان ليس بعيدا أن تكون عربية مسيحية، وصار ولاء يسار إلى قيس بن مخرمة بن المطّلب، وقد أسلم فأعتقه مولاه، ومن ثم نسب إليهم فلقب بالمطّلبي.
وكان ليسار بن خيار ثلاثة أولاد؛ أحدهم إسحاق، والد عالمنا الذي نتحدث عنه والذي طبقت شهرته الآفاق، وهو محمد بن إسحاق الذي ولد في المدينة المنورة، حوالي (عام ٨٥ هـ) ونشأ بها، وقد سبق أن أشرنا كثيرا إلى بيئة المدينة وفضلها وصلاحها وحركتها العلمية الواسعة في مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلم ولا ينكر أحد فضل البيئة والوسط المحيط وتأثيرهما في تنشئته الناشئة، وأي بيئة أفضل من بيئة