تحت الحكم الأموي وبتشجيع من الخلفاء والأمراء، فبقيت مدارس الإسكندرية وأنطاكية ودمشق والرها ونصيبين وحران وجنديسابور ... إلخ، تعمل كما كانت بل أكثر، وكان الأمويون يدخرون ذلك التراث ليوم يجيء بحيث يكونون فيه قادرين على ترجمته إلى اللغة العربية، ولكن سقوط دولتهم مبكرا ودون توقع حال دون ذلك، وكان شرف ترجمة ذلك التراث كما هو معروف من نصيب العباسيين، ورغم قصر مدة حكم الدولة الأموية فقد كانت لهم محاولات في الترجمة مبكرة ومبشرة وواعدة أشرت إليها في ثنايا البحث.
ثالثا: اقتضى هذا البحث حديثا موجزا عن الفتح الإسلامي للأندلس لبيان المسرح الذي أدى عليه الأمويون دورهم الحضاري العظيم، ونوهت بسياستهم التي خلقت الجو المناسب لنمو وازدهار الحضارة العربية الإسلامية على أرض الأندلس.
رابعا: تحدثت- بإيجاز- عن ازدهار الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس وكيف تألقت علوم كثيرة عربية إسلامية كالفقه والتفسير والحديث واللغة العربية وآدابها والتاريخ والجغرافيا، وهذه علوم أسسها العرب المسلمون منذ بداية الفتح، فقد كانت جيوش الفتح تضم كثيرا من التابعين وهم فقهاء في الشريعة الإسلامية وعلومها، ثم تألقت علوم الطب والرياضيات ... إلخ. وفي خلال ثلاثة القرون التي حكم فيها الأمويون الأندلس كانت هي البقعة الوحيدة المضيئة في غرب أوربا، وعاشت عصرها الذهبي، وكانت المدن الأندلسية أعمر المدن في القارة الأوربية من أقصاها إلى أقصاها فكثير من الباحثين يقولون: إن سكان قرطبة- عاصمة الأمويين- كانوا يفوقون المليون مواطن، وهذا في القرن الرابع الهجري- العاشر الميلادي- لم يتأت لمدينة في العالم ولا حتى بغداد نفسها. وكانت شوارع قرطبة وغيرها من كبريات المدن الأندلسية مبلطة وتضاء بالمصابيح ليلا وترش بالمياه نهارا، وكان بها سبعون مكتبة عامة؛ لأن الولع باقتناء الكتب لم يكن وقفا على العلماء، بل كان ولعا عامّا، ويتحدث المؤرخون عن أن محلّا واحدا من محلات نسخ الكتب كان يعمل به مائة وسبعون فتاة في نسخ الكتب، وهذا شيء مذهل حقّا ويعني أن التعليم كان للجنسين، الرجال والنساء، وكانت مكتبة الخليفة الحكم المستنصر (٣٥٠- ٣٦٦ هـ/ ٩٦١- ٩٧٦ م) تضم ستمائة ألف كتاب، وأنه قرأ