والتسامح من جانب المسلمين مع غير المسلمين ليس منحة وامتنانا وإنما هي أوامر إلهية؛ لأن الحضارة العربية الإسلامية حضارة إيمان، أي: تؤمن بالله ورسله وكتبه ولا يتسع المجال في هذه العجالة لإيراد الآيات والأحاديث النبوية التي تأمر المسلمين أمرا جازما بالإحسان والتسامح مع غير المسلمين.
هذا المؤتمر جاء في وقته عساه أن يذكرنا بجوانب العطاء الحضاري ويعلمنا أن الحضارة حب وتسامح واحترام وتبادل منافع في كل مجالات الحياة وليست صراعا وقهرا.
أعتذر عن الإطالة وأقدم نبذة عن أهم الموضوعات التي تناولتها في بحثي وهي كالآتي:
أولا: أعطيت فكرة عن الدور الذي قام به «بنو أمية» في التاريخ العالمي، وكيف كونوا دولتهم ووطدوا أركانها وطوروا أجهزتها السياسية والإدارية وأشاعوا جوّا من التسامح مع أبناء البلاد التي فتحوها، وأشركوهم في إدارة بلادهم، مما جعل الكثيرين منهم يعتنقون الإسلام عن طواعية واختيار، وكان الحديث عن دور «بني أمية» في التاريخ ضروريّا- من وجهة نظري- لمعرفة الشجرة التي انبثق منها الفرع الذي أقام الدولة الأموية الأندلسية، وهو «عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان» ، الذي قام بمغامرة شبه أسطورية- غير مسبوقة في التاريخ- وتخطى الأهوال والصعاب وحط على أرض الأندلس ليقيم دولة عظيمة استمرت ما يقرب من ثلاثة قرون (١٣٨- ٤٢٢ هـ/ ٧٥٦- ١٠٣١ م) . ولقد كانت تلك القرون باعتراف معظم الباحثين من أعظم عصور التاريخ الأندلسي.
ثانيا: نوهت عن دور الأمويين في المحافظة على التراث الحضاري الإنساني الذي وجدوه في البلاد التي فتحوها، فكما هو معروف فتح الأمويون مناطق شاسعة من العالم القديم في آسيا وإفريقيا وأوربا، وامتدت دولتهم من حدود الصين شرقا إلى الأندلس- شبه جزيرة أيبريا- غربا، ومن آسيا الوسطى شمالا إلى المحيط الهندي جنوبا. وهذه المناطق كانت تحتوي على التراث الحضاري للأمم القديمة، مثل الصينيين والهنود والفرس وأهل العراق وأهل الشام ومصر، فضلا عن التراث العظيم للحضارتين الإغريقية والرومانية، فلقد حافظ الأمويون على هذا التراث الإنساني العظيم محافظة المحب العارف بقيمته، واستمرت مراكز العلم والفكر تؤدي دورها