والحروب عادة تكون مصحوبة بعمليات هدم وتدمير وإحراق وسلب ونهب، أما حروب المسلمين في العصر الأموي فقد برئت من هذا كله، وكانت حروبا نظيفة؛ لأن المسلمين قرؤوا كتاب ربهم وسنة نبيهم، وتوجيهاته في عدم المساس بالأهداف المدنية على إطلاقها، فقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلم عن هدم المباني العامرة وحرق الزروع والأشجار؛ لأن الإسلام جاء ليعمّر الحياة لا ليهدمها ويدمرها. ولقد كان المسلمون يعون الإشارات التي كانت تصدر من النبي صلّى الله عليه وسلم في هذا المجال ويعملون بها، فعند ما فتح النبي صلّى الله عليه وسلم خيبر، كان ضمن الغنائم بعض صحائف من التوراة وقد طلب اليهود استثناءها من الغنائم التي حصل عليها المسلمون الفاتحون وتسليمها لهم لأهميتها عندهم، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلم بتسليمها لهم، وهذا غاية الاحترام لتراث الآخرين حتى ولو كانوا مغلوبين.
ولقد كان الأمويون يعرفون قيمة العلوم القديمة- ولقد ترجمت في عهدهم بعض العلوم الطبية- كما سنشير إلى ذلك فيما بعد. ولكن وسائلهم لم تكن كافية للقيام بعملية ترجمة في كل العلوم على نطاق واسع، وسنعرف الأسباب بعد قليل، لكن الذي نؤكد عليه هنا أنهم يعرفون أن دينهم هو دين العلم والمدنية؛ لأن أول الآيات التي نزلت في القرآن الكريم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم كانت أمرا صريحا بالقراءة؛ قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ [العلق: ١- ٥] ، ولقد أقسم الحق تبارك وتعالى بالقلم، فقال تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ [القلم: ١] ، وأقسم بالكتاب فقال تعالى:
وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ [الطور: ١، ٢] ؛ وهذا أعظم تكريم لوسائل العلم. أما الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحض على العلم، وترفع من شأنه وشأن العلماء فهي أكثر من الحصر «١» .
لكل هذا حافظ الأمويون على ذلك التراث العلمي العظيم الذي كان منتشرا في دولتهم من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، وبصفة خاصة في مواطن الحضارات القديمة، مثل مصر والشام وبين النهرين- العراق- وبلاد فارس ... إلخ.
(١) يكفي أن يطالع الإنسان في هذا ما جاء في كتب الحديث الصحيحة مثل صحيحي البخاري ومسلم في كتاب العلم.