أم نتحدث عما يجري من حصار قاتل لبلاد عربية إسلامية، مثل العراق وليبيا بحجة أنهما لا ينفذان قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، في الوقت الذي صدرت فيه ضد إسرائيل قرارات من هاتين الهيئتين- تقارب المائتين- لم تنفذ منها قرارا واحدا، ولم يستطع أحد حتى أن ينقدها أو يوجه لها لوما، لهذا نقول: إن واقع العالم الإسلامي واقع مرير حتى وإن بدا أن كل دولة مستقلة، وأن معظم رؤسائها يقولون: إنهم أحرار في اتخاذ قرارهم، فلهم أن يقولوا ما يشاؤون ولعلهم صادقون من وجهة نظرهم، ومن حق غيرهم أن يختلف معهم فيما يقولون، والخلاف كما يقولون لا يفسد للود قضية، فالعالم الإسلامي من وجهة نظرنا يمر اليوم- ونحن نعيش في نهاية الربع الأول من القرن الخامس عشر الهجري ونهاية القرن العشرين- بمرحلة لعلها الأسوأ في كل تاريخه منذ ظهر على وجه الأرض.
ونحن لا ننكر أن العالم الإسلامي قد مر قبل ذلك بأزمات، بل بنكبات كثيرة في مسيرته التاريخية، ولكنه كان في كل مرة يخرج منها سليما معافى، ويستأنف سيره المعتاد، ولعل تعرض العالم الإسلامي للغزو الصليبي من الغرب، والغزو المغولي من الشرق، فيما بين نهاية القرنين الخامس والسابع الهجريين/ الحادي عشر والثالث عشر الميلاديين، لعل ذلك كان أشد وأقسى النكبات التي حاقت به حتى بدا كأن العالم الإسلامي صائر إلى زوال «١» .
غير أن النتيجة كانت خلاف ذلك؛ فقد انتصر الإسلام في النهاية على هذين العدوين الخطيرين، ورد الصليبيين إلى بلادهم مهزومين مدحورين، يجرون أذيال الخيبة والخسران.
أما المغول فبعد هزيمتهم عسكريّا- لأول مرة منذ خروجهم من بلادهم غازين مدمرين- على أيدي المسلمين في موقعة عين جالوت الخالدة على أرض فلسطين العربية الإسلامية سنة (٦٥٨ هـ/ ١٢٦٠ م) . بعد هزيمتهم تلك أتبع الإسلام نصره العسكري عليهم نصرا آخر أعظم فقد أدخلهم سلما وطواعية في عقيدته وأذابهم في
(١) انظر ما قال المؤرخ العربي المسلم ابن الأثير عن نكبة الغزو المغولي لبلاد المسلمين، وما أحدثوه من خراب ودمار ووحشية جعلته يتردد في كتابة وتسطير هذه الكارثة وحتى ظن أن العالم الإسلامي سيتلاشى، وابن الأثير يقول هذا مع أنه لم يشهد ما فعله المغول ببغداد عاصمة الخلافة العباسية، بل عاصمة الإسلام والمسلمين في ذلك الوقت سنة (٦٥٦ هـ/ ١٢٥٨ م) فماذا كان يمكن أن يقول لو عرف أنهم قتلوا من سكانها أكثر من مليون ودمروا حضارتها وصنعوا من الكتب جسرا عبروا عليه نهر دجلة بخيولهم؟! توفي ابن الأثير سنة (٦٣٠ هـ) - انظر الكامل في التاريخ (١٢/ ٣٥٨) .