للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشيوعيين، ولما تبين لهم عجزهم عن السيطرة على ذلك البلد المسلم، المتمسك بإسلامه، وبعد قيام الثورة الإيرانية، أدرك أنه لا بد له أن يتدخل تدخلا سافرا إذا أراد أن يحمي مستعمراته في آسيا الوسطى، ولكنه بدلا من أن يحمي تلك المستعمرات فقد لقي هو نفسه حتفه هناك؛ لأن الولايات المتحدة لم تترك تلك الفرصة النادرة تفلت من يديها، وقررت أن تجعل من أفغانستان مقبرة تدفن فيها الاتحاد السوفيتي، أو كما سماه الأمريكان إمبراطورية الشر «١» . كانت تلك بالفعل فرصة نادرة لتثأر لنفسها من الاتحاد السوفيتي عما صنعه معها في حربها في فيتنام في حقبة الستينيات وبداية السبعينيات، فقد أحرجها وأزرى بهيبتها وجعلها تخرج من فيتنام ذليلة، وهو دولة عظمى، لقد رأى الناس في كل مكان السفير الأمريكي وهو يخرج مذعورا من سايجون متخفيا- حقّا كان موقفا مزريا بزعيمة العالم الحر.

الآن جاءت الفرصة للولايات المتحدة على طبق من ذهب، فرصة لم تكن من تخطيطها ولا من تفكيرها، فلم تدّع الولايات المتحدة أن غزو القوات السوفيتية لأفغانستان كان من تدبيرها ولا من تفكيرها ولا من تخطيطها، ولكنها إرادة الله التي عجلت بزوال دولة الكفر والإلحاد، وكان غزو القوات السوفيتية لأفغانستان هو القشة التي قصمت ظهر البعير- كما يقول المثل العربي- صحيح أن زوال الاتحاد السوفيتي كان حتما مقضيّا، وزوال الشيوعية كان آتيا لا محالة؛ لأنه نظام ضد الفطرة الإنسانية، وأي نظام أو فكر أو مذهب يضاد الفطرة الإنسانية لا بد من سقوطه في نهاية المطاف حتى لو بدا أنه ناجح في البداية؛ لأن الزبد لا بد أن يذهب جفاء ولا يبقى في الأرض إلا ما ينفع الناس، كما أخبر بذلك الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز.

ولقد توقع الكثير من المفكرين الغربيين، وفيهم روس، بزوال الشيوعية، وتفكك الاتحاد السوفيتي، قبل نهاية القرن العشرين بل كان أسبق من هؤلاء جميعا المفكر العربي العملاق عباس محمود العقاد فقد توقع في كتابه «لا استعمار ولا شيوعية» «٢» توقع سقوط الشيوعية وزوالها، وزوال الاتحاد السوفيتي قبل نهاية


(١) راجع كلام الرئيس نيكسون عن إمبراطورية الشر هذه في كتابه السابق (ص ٧٩) وما بعدها.
(٢) راجع كتاب العقائد هذا من (ص ٩) وما بعدها- الطبعة الثانية- دار الكتاب العربي- بيروت- لبنان سنة (١٩٧١ م) .

<<  <   >  >>