وأعطى لإسرائيل والغرب فرصة من الفرص النادرة لاستدراج الجيش المصري وإلحاق أكبر هزيمة حلت به منذ عصر الفراعنة إلى وقتها. وتكبدت مصر خسائر فادحة في تلك الحرب المشؤومة، وتكبدت خسائر وتضحيات أخرى جسيمة وخاضت حرب أكتوبر (١٩٧٣ م) المجيدة لتزيل عار هزيمته الفادحة في سنة (١٩٦٧ م) وترد لمصر والأمة العربية كرامتها وتعيد للشرف العسكري المصري عزته ومجده. هذه مجرد نماذج، ومضى جمال عبد الناصر إلى ربه في (٢٨/ ٩/ ١٩٧٠ م) ليترك أمته التي علقت عليه أكبر الآمال تلعق جراحها وتعاني مرارة الذل والهوان والهزيمة، ويترك وطنه مصر وقد احتل اليهود جزآ غاليا منه، شبه جزيرة سيناء وأغلقت نتيجة لذلك قناة السويس «١» ... إلخ.
مضى جمال عبد الناصر وجاء دور صدام حسين المهيمن على العراق فعليّا منذ ثورة (١٩٦٨ م) حتى مع وجود الرئيس أحمد حسن البكر، وكان صدام حسين زعيما واعدا لوطنه العراق، وأمته العربية وكانت له طموحات كبيرة لتطوير بلده صناعيّا واقتصاديّا وكانت إمكانات العراق الهائلة- ثروة بترولية كبيرة، أراضي زراعية شاسعة وأهم من هذا كله شعب حي يعج بالكفايات البشرية في كل مجال- ولو مضت الأمور كما كان يتوقع الناس في العراق، وفي الأمة العربية في عقد السبعينيات من هذا القرن، لكان العراق اليوم في طليعة الدول الغنية المتقدمة في المنطقة. لكن- وآه من لكن- لم ينتبه صدام حسين كما لم ينتبه جمال عبد الناصر قبله- إلى أن الغرب وإسرائيل لا يقبلون أن يتطور بلد عربي ويصبح خطرا على مصالح الغرب من جهة وعلى إسرائيل من جهة ثانية- وأظن ما ذكرناه نقلا عن صحيفة- كيفونيم- اليهودية قبل قليل. وما اقتبسناه من الرئيس نيكسون لا يدع مجالا للشك في هذا والواقع يؤيده. وكان على صدام حسين أن يدرك أن الغرب وإسرائيل لن يتركاه يمضي في سبيل تنمية وتطوير قدرات العراق الاقتصادية والعسكرية وكان عليه إزاء هذا أن يكون حذرا، وأن يحصن نفسه ضد ما يحاك له من هذه الدوائر الشيطانية، غير أن صدام حسين بدلا من ذلك راح يعطي لهم كل
(١) لم يكن إغلاق قناة السويس وخسارة عوائدها هو كل ما في الأمر، بل أدت هزيمة مصر سنة (١٩٦٧ م) إلى تحطيم وتدمير مدن القناة الثلاث- السويس والإسماعلية وبور سعيد- وتهجير نحو مليون مواطن من سكانها إلى مدن وقرى وأضاف ذلك أعباء باهظة على اقتصاد مصر، ناهيك من المشكلات والماسي الاجتماعية التي ترتبت على ذلك التهجير.