للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفرص والذرائع للإيقاع به، وتدمير اقتصاديات بلاده- بل وبلاد عربية أخرى كثيرة- فكانت حماقته الأولى في حربه مع إيران والتي أشرنا إليها إشارة سريعة فيما سلف من هذا البحث، وها هو الآن يرتكب الحماقة الأكبر، والأشد خطرا عليه وعلى أمته العربية بل على عالمه الإسلامي، حيث بلع الطّعم مرة أخرى، فكما أقنعته السياسة الغربية الماكرة بقدرته على هزيمة إيران، وإزاحتها من طريق سيطرته على العالم العربي، ها هي ذات السياسة تصنع له خديعة أخرى حيث أفهمته السفيرة الأمريكية في بغداد- جاسبي إبريل «١» - مكرا وخداعا- أن أمريكا لن يهمها في شيء إذا هو زحف على الكويت وأخذها؛ لأنه لا توجد اتفاقيات دفاع مشترك بين أمريكا والكويت ولا أدري كيف انطلت هذه الخدعة على الرئيس صدام حسين، وكيف بلع ذلك الطعم المسموم؟! لأنه ليس أمريكا فقط وحلفاؤها الذين لا يقبلون أن يبلع صدام حسين الكويت، ويسيطر على ٥٠ من بترول العالم، بل هناك دول إقليمية مجاورة للعراق وقريبة منه ترى في احتلاله للكويت تهديدا لمصالحها وأمنها، ومن هذه الدول إيران وتركيا ومصر وسوريا والسعودية وبقية دول الخليج، ناهيك عن إسرائيل، التي كانت تعتبر العراق ألد أعدائها، وكان قصارى أمانيها أن تورطه في حرب مع سوريا، ولكن حسن الحظ الذي لازم إسرائيل منذ وجودها، ساق لها فرصة نادرة، فبدلا من توريط العراق في حرب مع سوريا شاءت سياسة زعيمه صدام حسين أن تورطه في حرب مع العالم، وأن يدمر بلده تدميرا كاملا، أقدم صدام حسين على غزو الكويت في (٢/ ٨/ ١٩٩٠ م) وبذلت محاولات كثيرة عربية منها مؤتمر القاهرة (٨- ١٠ أغسطس سنة ١٩٩٠ م) ودولية لإخراجه من الكويت ولكنه ركب رأسه ولم يصغ لأي صوت ناصح. فكانت حرب الخليج الثانية- عاصفة الصحراء المدمرة والتي استمرت ما يقرب من أربعين يوما (١٦ يناير- ٢٤ فبراير سنة ١٩٩١ م) والتي أحدثت في العراق من الدمار والخراب ما يحتاج إصلاحه ربما إلى قرن كامل- والأخطر من ذلك الحصار القاتل الذي استطاعت أمريكا بنفوذها أن تفرضه على الشعب العراقي لتجويعه، ويعرف العالم كله كم من أطفال العراق يموتون من سوء التغذية، وكم من رجاله ونسائه يموتون وتفتك بهم الأمراض


(١) اختفت هذه السفيرة تماما ولم يعد أحد يحس لها وجودا وكأن الأرض قد انشقت وبلعتها؛ لأنه كان مطلوبا ألا تتكلم أبدا.

<<  <   >  >>