للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوزارها عشر سنين- طبقا لمعاهدة الحديبية- وذلك بعد أن أحرجتها سياسة النبي صلّى الله عليه وسلم السلمية أمام العرب، فاضطرت إلى تغيير موقفها راغمة، وتسامع العرب في شبه الجزيرة بأمر صلح الحديبية، وعلموا أن قريشا بدأت تلين كانت نتيجة ذلك ازدياد عدد الداخلين في الإسلام من العرب، هذه الزيادة التي ظهر أثرها في فتح مكة- عندما نقضت قريش صلح الحديبية- وسار النبي صلّى الله عليه وسلم أمام المسلمين- عشرة آلاف- ليؤدبها ويعلّمها الالتزام بالعهود والمعاهدات.

فلما فتحت مكة، وأسلمت قريش، علم العرب جميعا بدخول النبي صلّى الله عليه وسلم مكة ظافرا منتصرا، وعلموا أن قريشا أسلمت بعد أن عفا عنها النبي وتجاوز عن سيئاتها معه. ماذا كانت النتيجة؟ جاءت وفود العرب من جميع أنحاء شبه الجزيرة معلنة إسلامها؛ حتى سمّي العام التالي لفتح مكة- العام التاسع الهجري-: عام الوفود، وقد ظهر الأثر الملموس لهذه النتيجة في عدد الجيش الذي سار خلف النبي صلّى الله عليه وسلم في العام التاسع في غزوة تبوك، فقد بلغ عدد هذا الجيش ثلاثين ألفا من المسلمين «١» .

أرأيت كيف كان موقف قريش من الدعوة الإسلامية مهمّا لنجاح هذه الدعوة وانسيابها في شبه الجزيرة العربية وخارجها؟ أرأيت كيف كانت قريش عقبة رئيسية في طريق الدعوة الإسلامية؟ ولعلك تعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعد أن عاد من الحديبية وبعد أن أمن جانب قريش من ناحية الجنوب، قصد توّا إلى خيبر ليصفي الحساب مع هذا الوكر من أوكار الخيانة والغدر التي كانت طابع اليهود، فقد أصبحت خيبر مركزا للتامر على الإسلام «٢» بعد أن لجأ إليها فلول المطرودين من المدينة من بني قينقاع وبني النضير. وفتح الله خيبر لرسوله صلّى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك توجّه رسول الله بدعوته إلى العالم ممثلا في ملوكه وزعمائه، فكانت رسائله إلى كسرى فارس، وقيصر الروم، ونجاشي الحبشة، ومقوقس مصر، وغيرهم من الزعماء والأمراء «٣» . كل هذا النشاط، سواء القضاء على نفوذ اليهود في خيبر وما جاورها من مستعمرات اليهود- في فدك وتيماء ووادي القرى- أو التوجه بالدعوة الإسلامية إلى النطاق


(١) ابن سعد- الطبقات (٢/ ١٦٦) .
(٢) منتجومري وات- محمد في المدينة (ص ٣٣٢) .
(٣) انظر رسائل النبي صلّى الله عليه وسلم لهؤلاء الملوك والأمراء في المصادر الآتية: ابن حجر- فتح الباري (١/ ٣٢) وما بعدها، صحيح مسلم بشرح النووي (١٢/ ١٠٧) ، محمد حميد الله- مجموعة الوثائق (ص ٨١) وما بعدها.

<<  <   >  >>