الساحلي بين مكة والمدينة؛ بهدف تهديد الطريق التجاري الرئيسي الذي تمر منه تجارة قريش. أمّا سريّة عبد الله بن جحش، فقد شذّت عن هذه القاعدة، فقد أمرت هذه السرية باستطلاع أخبار قريش من مكان قريب جدّا من مكة- وادي نخلة بين مكة والطائف- وهو اتجاه جديد في سياسة الحصار ضد قريش، فها هو الخطر أصبح قريبا منها، وفي عقر دارها.
وقد أمّر رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش على اثني عشر في رواية ابن سعد وعلى ثمانية في رواية ابن إسحاق، وهي التي نثبتها هنا يقول ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي في رجب مقفله من بدر الأولى، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، وكتب له كتابا، وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره من أصحابه أحدا ... فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فيه فإذا فيه:«إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصّد بها قريشا وتعلّم لنا من أخبارهم» فلما نظر عبد الله في الكتاب قال: سمعا وطاعة، ثم قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة أرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر، وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم، فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلّف عنه منهم أحد، وسلك على الحجاز، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له: بحران- أضلّ سعد بن أبي وقّاص وعتبة وابن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقيانه، فتخلّفا عليه في طلبه.
ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة فمرّت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش فيها عمرو بن الحضرمي ... وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل المخزوميان، والحكم بن كيسان، مولى هشام بن الغيرة، فلمّا رآهم القوم هابوهم، وقد نزلوا قريبا منهم، فأشرف لهم عكّاشة بن محصن، وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا وقالوا: عمّار لا بأس عليكم منهم، وتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر يوم من رجب، فقال القوم: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعنّ منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنّهم في الشهر الحرام، فتردّد القوم، وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعلوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي