للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جميع أعداء الله من المشركين ستدور الدوائر. وسينصر الله نبيه ويعز دينه وجنده، ويهزم الأحزاب وحده. وسرية عبد الله بن جحش كانت حملة استطلاع، وجمع معلومات، ورصد أخبار عن قريش، ولم تكن حملة قتال أو تصدّ لعير قريش؛ إذ لا يعقل أن يرسل النبي صلّى الله عليه وسلم ثمانية أو حتى اثنى عشر- حسب رواية ابن سعد- من أصحابه ليقاتلوا قريشا في عقر دارها، ولو كان النبي صلّى الله عليه وسلم يريدهم أن يقاتلوا لكان حجم الحملة أكبر من هذا بكثير؛ فالهدف إذا هو جمع المعلومات، وعندئذ كلما كان العدد أقل كانت الفرصة أكبر في تحقيق الهدف؛ لأن القدرة على الاستخفاء- وهو من لوازم جمع المعلومات والاستطلاع- تكون أكبر.

والدليل على أنها ليست حملة قتال قول النبي صلّى الله عليه وسلم عند عودتهم: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» والقتال إذن جاء اجتهادا من قائد الحملة ورفاقه. فقائد الحملة وهو عبد الله بن جحش لما رأى عير قريش وعليها تجارة وتوشك أن تدخل حرم مكة لعلّه ذكر ما صنع المشركون بهم حيث طردوهم من ديارهم وصادروا أموالهم، لعله ذكر ذلك فثارت في نفسه روح الثأر والانتقام من قريش وإذلالها في عقر دارها، أليس أخذ أبو سفيان بن حرب دار عبد الله بن جحش في مكة وباعها؟

إذن القتال حدث نتيجة اجتهاد شخصي من قائد الحملة، لا بأمر من الرسول صلّى الله عليه وسلم فأوامر الرسول كانت صريحة واضحة «إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصّد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم» «١» ؛ فليس في الأوامر ذكر للقتال أو التعرض لقوافل قريش.

ولكن المستشرقين مولعون بتشويه التاريخ الإسلامي، وتلفيق الروايات وتفسيرها تفسيرا خاصّا ليصلوا إلى ما يريدون من معلومات ليرتبوا عليها النتائج التي تعجبهم وتتفق مع مخططاتهم العدائية للإسلام؛ فها هو منتجومري وات- صاحب كتاب محمد في المدينة- يحاول أن يوحي لقارئه، وهو قارئ غربي أوربي معلوماته عن الإسلام وتاريخه ضئيلة إن لم تكن معدومة، ولذلك فإن هذا القارئ معذور إذا وقع فريسة للمعلومات الخاطئة التي يقدمها من يسمّون أنفسهم مستشرقين عن الإسلام- يحاول منتجومري أن يوحي لقارئه الغربي بأن المسلمين كانوا قطاع طرق، ويفسّر بعض الكلمات تفسيرا غربيا وكأنه يعرف أسرار اللغة العربية وما تدل عليه مفرداتها


(١) ابن هشام (٢/ ٢٣٩) .

<<  <   >  >>