فقد أنعم الله على النمرود، وآتاه الملك في بابل، وكان عليه أن يسارع إلى توحيد الله وعبادته؛ شكرا لنعمه، وازديادا لفضل الله، لكنه كفر وتجبر، وأبى ترك مزاعمه وافتراءاته، قال لإبراهيم: من ربك؟
قال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت.
قال النمرود: وأنا أحيي وأميت!
ومع اختلاف مراد كل منهما من الإحياء والإماتة؛ لأن النمرود يقصد أنه قد يأتي برجلين تحتم قتلهما، فإذا أمر بتنفيذ القتل في أحدهما فقد قتله، وإن أمر بالعفو عن الثاني فقد أحياه، كما يعني أنه إذا حبس رجلين بلا طعام ولا شراب، وأطعم أحدهما وسقاه فقد أحياه، وإن ترك الثاني بلا زاد ولا ماء حتى يموت فقد قتله.
أما مراد إبراهيم -عليه السلام- فهو يعني التحكم في الروح التي بها الحياة في الإنسان يحيا بوجودها, ويموت بسلبها, ولا تحكم لإنسان ما في هذه الروح.
كان يمكن لإبراهيم أن يجادل النمرود, ويبين أن مراده ممكن لأي إنسان، ولا يصح في مجال العقيدة أي تدليس وظن؛ لأنها تعتمد على اليقظة العقلية، والبيان القاطع.
كان عليه السلام يمكنه ذلك، لكنه آثر قطع الجدل والمراء، وطلب منه أمرا آخر له صلة بالإماتة والإحياء، والإيجاد والإعدام.
قال له:{فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} ، فعجز النمرود عن الرد، وسكت مضطرا؛ لأن الشمس تأتي وتغرب في فلكها منذ أن خلقها الله تعالى، ولا يمكن للنمرود أن يدعي لنفسه شيئا في حركتها؛ لأنها أسبق منه في الوجود والحركة.
{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} ، وباء بغضب الله، {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .