بتتبع دعوة إبراهيم -عليه السلام- نستنبط خطة دقيقة، تصور منهجا كاملا في حركة الدعوة يعتمد المبادئ التالية:
١- التخلية قبل التحلية:
يقصد العلماء بهذا المبدأ تطهير الإنسان ظاهرا وباطنا من صور الفساد، وألوان الضلال على اختلافها؛ ليتسنى له الانتقال إلى الصواب والهدى في أمن وهدوء؛ لأن الإنسان الواحد لا يجتمع فيه الأضداد حين تتحد جهاتها، فهو لا يكون كافرا ومؤمنا في وقت واحد، وبدين واحد.
وحينما يجمع الإنسان المتعارضين يصاب بالقلق والاضطراب، ولا يكون مخلصا لواحد منهما؛ ولذلك كانت إزالة الكفر وهو ما يعرف بالتخلية أولا أمرا واجبا, وبعده يغرس الإيمان وهو ما يعرف بالتحلية ...
إن الكوب الواحد لا يمتلئ بالنجاسة والطهارة معا في وقت واحد، وحتى نملأه بالماء الطاهر يجب أن ننظفه من الماء النجس أولا.
هذا المبدأ منهج أساسي عند علماء التربية، والنفس, والاجتماع؛ لما فيه من فائدة وأثر.
اتبع إبراهيم -عليه السلام- هذا المبدأ؛ ولذلك كان يبدأ مع من يدعوهم ببيان فساد ما هم عليه من دين، يقول الله تعالى:{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} .
ويبدأ مع عَبَدَة الكواكب بمجاراتهم في عبادتهم؛ لينتهي بهم إلى بيان فسادها ... وبعد ذلك يدعوهم إلى الإيمان بالإله الحق الذي أرسله لهم.