تتضمن عملية الدعوة جوانب عديدة، تحتاج من القائم بالبلاغ إلى معرفتها، فهناك موضوع الدعوة، وأساسياته: العقيدة، والشريعة، والأخلاق، وفي موضوع الدعوة تظهر أمور تحتاج إلى التركيز، وتفرض نفسها لأهميتها ليبدأ بها حامل الرسالة ... وهناك المدعوّون، وهم طبقات وأفراد، وبعضهم أولى من غيره بدعوته أولا، وبعده يكون الآخرون.
كما توجد الوسائل والأساليب، وهي متنوعة، عديدة، إلا أن بعضها أحق بالبدء به من غيره ... وهكذا.
ولذلك صار معلوما أن للدعوة أوليات يجب ملاحظتها بالبدء بالأهم، ثم بالمهم ... وهكذا، وقد لاحظ إبراهيم -عليه السلام- هذه الأوليات فبدأ بها....
فلقد بدأ بدعوة الملك؛ لما له من مقام وتأثير في الناس، وخص أباه بالدعوة مع أنه واحد من عبدة الأصنام ... ثم كانت بعد ذلك دعوته إلى الناس.
ومع موضوع الدعوة كان ينادي في الناس بالتوحيد الخالص؛ لأنه أول قضايا الدعوة وأهمها، ومن وحد أطاع واستسلم، ومن ناحية الوسيلة كان يبدأ بالمواجهة المباشرة، ثم يكون الاستفهام والجدل والمجاراة.
وكان عليه السلام يفضل استخدام الأساليب العاطفية التي ترقِّق القلوب, وتصنع الألفة والمودة، فيناديهم بقوله:{يَا أَبَتِ} ، {يَا قَوْمِ} ، وكان إذا يئس من إيمانهم يتبرأ منهم ومن آلهتهم، ويعلن لهم ضيقه وسقمه، ويكيد لهم ولأصنامهم، ويكسرها، ويهينها.
وحوادث القصة تشير إلى مراعاة الأوليات؛ لما لها من فائدة في الدعوة إلى الله تعالى.