من حقائق الحياة أن الاقتراب من الفساد يفسد، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ومن أعان ظالما فهو مثله، ومن والى ظالما فهو معين له على الظلم؛ ولذلك عد جنود فرعون من الظالمين؛ لأنهم ساعدوه، وأطاعوه، وكانوا معه، ولولاهم لما استطاع أن يفعل شيئا ما.
ولما رجع موسى -عليه السلام- إلى قومه، ووجدهم يعبدون عجلا، عاتب أخاه هارون لبقائه فيهم، وسأله: لِمَ لم تتركهم, وتتبعني، وتأت إلي؟ وسبب ذلك أن بقاءه وسط الظالمين عون لهم، وشبهة يدعون بها أن الرسول معهم، ويلبسون بذلك على الناس.
وتلك حقيقة؛ لأن الظالم إذا شعر ببعد الناس عنه رجع، أما إذا وجد الناس من حوله تمدحه، وتنافقه، فإنه يتمادى في ضلاله. لقد أدى النفاق بفرعون إلى أن ادعى الألوهية، وعبده المنافقون، وأشاعوا في الناس، وفي كل أرجاء مصر ألوهية فرعون، لقاء غنم رخيص، ومال زهيد، وقرب من السلطان لا يدوم.