بعدما ظهرت براءة يوسف, رأى العزيز سجنه مدة، يتصور الناس بها براءة زوجته، وإدانة يوسف فيما اتهم به.
والتقى في السجن بصنوف من الناس، وتعامل معهم بخلقه وطهارته، واشتهر بينهم بالأمانة، وصدق الحديث، وحسن السمت، وكثرة العبادة، ومعرفة التعبير، والإحسان إلى المسجونين بعيادة مريضهم، والقيام بحاجاتهم فأحبوه، وأخذوا برأيه ومشورته١.
ودخل السجنَ فتيانِ أحدهما ساقي الملك، والثاني خبازه؛ لأنهما اتهما بمحاولة دس السم للملك في طعامه وشرابه، ولما لقيا يوسف تعارفا عليه، وتعلقا به كسائر الترلاء ... ثم إن كلا منهما رأى مناما وجاء إلى يوسف ليؤوله له.
رأى أحدهما أنه يعصر للملك عنبا، وكانوا يسمون العنب خمرا، ورأى الثاني أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه، وطلبا من يوسف -عليه السلام- أن يؤول لهما ما رأيا لما يعرفان عنه من الصدق، والعلم، والتعبير.
وكان يمكن ليوسف أن يعرفهما بتأويل ما رأيا مباشرة، لكنه -عليه السلام- وجدها مناسبة حسنة للدعوة إلى الله تعالى.
قال للرجلين: إنه يعرف تأويل الرؤيا، وسيخبرهما بما سيئول إليه أمرهما، وعلى أي تدل أحلامهما، وسيرد على استفتائهما، وقدم لهما برهانا على مدى معرفته، وهو أن يخبرهم بطعامهم قبل أن يجيء إليهم، وذلك أمر عجيب يدل على معرفته المعجزة، وأخبرهم بطعامهم قبل أن يأتيهم، وصدق في قوله لهم، وأخذ في بيان سر معارفه،