"الركيزة الثالثة": "وسائل دعوة إبراهيم"
استعمل إبراهيم -عليه السلام- كافة الوسائل التي تمكنه من تبليغ دين الله للناس الذي أرسل إليهم به.
فلقد استفاد بوسيلة الاتصال الشخصي, ويراد بها التوجه إلى أشخاص معروفين، ومخاطبتهم فردا فردا.
وللاتصال الشخصي فائدة، وهو أن الداعي يطلع على أثر دعوته فيمن يخاطبه، ويمكنه مناقشته في الشبه التي يثيرها معه ... ومن فوائده أنه يدفع العقل إلى التفكير والنظر بعيدا عن الجماعة.
استفاد إبراهيم -عليه السلام- بهذا الأسلوب فدعا أباه، ودعا الملك على ضوء ما فهمنا من القرآن الكريم.
وتوجه إبراهيم -عليه السلام- إلى الناس بوسيلة الاتصال الجمعي، ويراد به مخاطبة جمهور من الناس بواسطة، أو بغيرها، سواء كان اجتماعهم وفق نظام وخطة, أو بصورة تلقائية دعا إبراهيم -عليه السلام- قومه وهم مجتمعون في يوم عيدهم، وبين لهم هوان آلهتهم وفسادها.
ودعا إبراهيم -عليه السلام- بالوسيلة العملية بعد أن كسر الأصنام، ووضح لهم أنها آلهة لا تنفع نفسها، ولا ترد عدوانا يقع عليها، ودعاهم إلى ترك عبادتها، وعبادة الله وحده.
ولما خاطب عبدة الكواكب, اتخذ من الكواكب نفسها وسيلة توضيحية تشرح عدم استحقاقها للعبادة أبدا.
والمجاراة فن ناجح في الدعوة إلى الله تعالى، وهو أن يسلم الداعية للمخاطب ظاهرا بما يؤمن به، ويجعل نفسه شريكا له في معتقده، ثم يأخذ في التساؤل عن هذا المعتقد؛ ليظهر حقيقته، ويوضح مدى قربه أو بعده عن الحق.
لقد اتبع الغزالي هذا المنهج حينما شك في كل المذاهب، وأخذ يناقش أصحاب كل مذهب بأسئلة يظهر بها فساد المذهب, حتى وصل إلى المذهب الحق، ووضع منهج الإنقاذ من الضلال.
وهذا لون من المجاراة ...
اتبع إبراهيم -عليه السلام- هذا المنهج مع من دعاهم إلى الله، وقد أورده القرآن الكريم للعبرة والفائدة.