كان لامرأتين ولدان، جاء الذئب وأخذ أحدهما، فتنازعا حول الثاني، كل منهما تريده لنفسها، فاحتكما إلى داود -عليه السلام- فحكم به للكبرى ... فاستأذن سليمان أباه، وأتى بالمرأتين، وقال لهما: هاتوا سكينا أشقه بينكما نصفين، فوافقت الكبرى ورفضت الصغرى، وانزعجت, وقالت: يرحمك الله، هو ابنها، أعطه لها، لا تشقه، فحكم به للصغرى؛ لأنه عرف أنها أمه، فرجع داود عن حكمه، وحكم بما رآه ولده سليمان.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك, فتحاكما إلى داود، فقضى به للكبرى, فخرجتا على سليمان بن داود، فأخبرتاه, فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا تفعل، يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى" ١.
وإنما حكم داود للكبرى؛ لأن الولد كان في يدها، وليس مع الصغرى بينة, وهذا جارٍ على القواعد الشرعية، وأما سليمان فقد احتال بإذن من أبيه بحيلة لطيفة، أظهرت ما في نفس كل منهما، ووصل للحق بظهور جزع الصغرى الدال على شفقتها، ولم يلتفت إلى إقرارها بأنه ابن الكبرى؛ لأن إقرارها خوف عليه، وإيثار لحياته بدافع أمومتها.
ومن هذه القصص الثلاث تظهر فوائد، لا بد منها لكل حاكم يقصد العدل ويعمل له، وأهمها:
١ صحيح البخاري بشرح فتح الباري, كتاب الأنبياء, باب {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ} ج٦ ص٤٦٤, ٤٦٥.