وقد أُوتي عليه السلام فطنة في الدعوة، وعبقرية في الجدل والحوار، وقد سبق عرض مواقفه مع أبيه ومع النمرود, وكيف جارى عبدة الكواكب حتى انتهى معهم إلى استحالة ألوهية النجوم والكواكب، وموقفه في تكسير الأصنام، وحديثه عن هوانها برهان فطنته التي جعلت الناس يقولون بما قاله في الأصنام، ونطقوا بكل وضوح:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} .
ومن فطنته -عليه السلام- أنه تخلص من المواقف الصعبة، بإجابات صادقة، فهمها أعداؤه على وجه يرضيهم، من ذلك قوله لجبار مصر عن سارة: إنها أختي، فصدقه الجبار مع أنه -عليه السلام- كان يقصد أخته في الإيمان؛ لأنها زوجته.
ولما كسر الأصنام وسأله الناس:{مَنْ فَعَلَ هَذَا} ؟ أشار بأصبعه الكبير نحو الصنم الكبير، وقال:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} يقصد أصبعه، وفهم الناس أنه يقصد الصنم الكبير.
وقوله لعبدة الكواكب:{هَذَا رَبِّي} على وجه المجاراة، مع أنه يعرف حدوثها وعدم صلاحيتها للربوبية، وقد ضمن كلامه ما يشير إلى صدق عقيدته من اللحظة الأولى.