للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثنية١، وقف في مكان يراهم منه ولا يرونه، ونظر إليهم ودعا الله لهم بما أورده القرآن الكريم.

ولما شب إسماعيل، وصار قادرا على السعي والعمل, أمر الله إبراهيم -عليه السلام- بذبحه فأطاعه، وأخبر إسماعيل بأمر الله فأطاع إسماعيل أيضا، وأسلما الأمر لله، وأخذا في التنفيذ، إلا أن الله تعالى أنزل كبشا من الجنة؛ ليذبح فداء لإسماعيل.

إن إبراهيم -عليه السلام- قدوة إيمانية عالية؛ ولذلك جعله الله للناس إماما، واختصه وبنيه بالنبوة والكتاب إلى يوم القيامة.

وقد ربط الله تعالى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بإبراهيم -عليه السلام- فهم يتجهون في صلاتهم إلى الكعبة التي بناها إبراهيم، ويعيشون حياة هاجر وإسماعيل في فريضة الحج، وهم يطوفون بالبيت، ويسعون بين الصفا والمروة، ويتضلعون من ماء زمزم، ويضحون في عيدهم الكبير، يفعلون ذلك عساهم أن يستفيدوا بعظمة هذه الأسوة في قصة إبراهيم -عليه السلام- ويعملوا بها.

إنه -عليه السلام- كان عارفا بكل من دعاهم إلى الله تعالى، فهو يعرف لغتهم، ومذاهبهم، وعاداتهم، ومكان تجمعهم؛ ولذلك خاطبهم بلسانهم، وفهم ردودهم، وحاورهم، وكان عليه السلام يخاطب كل فريق في تدينه, ومذهبه، أيا كان إلهه وضلاله, ومن هنا كانت دعوته لأبيه غير دعوته للملك، غير دعوته لعبدة الأصنام والكواكب وغيرهم؛ لأنه لو ابتعد بدعوته عن واقع القوم ما اهتم به أحد، ولعاش في واديه بعيدا عن الناس.

لقد كان عليه السلام يستدل بالأدلة المفهومة، المتصلة بالناس، وأصنامهم وضلالهم؛ ولذلك لم يتمكنوا من الرد على تساؤلاته، وإنما كانوا يلجئون إلى التهديد والعدوان بعيدا عن موضوع الحوار.


١ الثنية: مكان يشرف على الحجون, ومنها دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاء.

<<  <   >  >>