للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأيضا حين نتأمل في سؤال الرجل الذي مر على القرية وهي خاوية, قال: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} ١ ... فسؤاله بـ {أَنَّى} هو سؤال عن الكيفية، كما سأل إبراهيم بـ "كيف" ... إلا أن الله عاقبه لكونه كان شاكا في قدرة الله على إحياء الموتى وبعثه مرة أخرى، وقد عاقبه الله بأن أماته مائة عام ثم بعثه، وأراه حماره وقد عاد للحياة؛ ولذلك قال الرجل معلنا إيمانه بعد ذلك: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ١، مصدرا قوله بالفعل المضارع {أَعْلَمُ} الدال على الحدوث والاستمرار٢.

أما إبراهيم -عليه السلام- فسؤاله كان لتحدي النمرود ومناظرته؛ ولذا لم تكن معه عقوبة، وختمت الآية بفعل الأمر {وَاعْلَمْ} ليوجه النمرود، آمرا إياه بالإيمان، وليعلم أن الله عزيز حكيم، فهو سبحانه غالب لا يغلب، يقدر لكل أمر ما يناسبه بدقة، يقول للشيء كن فيكون، ولن يقال: إن إبراهيم -عليه السلام- هلع من النمرود؛ ولذا طلب من ربه ما طلب بل هو خوف عادي، والخوف العادي طبيعة بشرية، وإبراهيم طلب من الله تعالى مستسلما لإرادته، مطمئنا بقدرته، راضيا بما يقضي له، وهو اليقين عينه، وهو الإيمان المطلوب.

إن خوف إبراهيم حذر لا بد منه، وطلبه من الله نجاح للدعوة، ولو كان إبراهيم -عليه السلام- الذي يفزع، ويرتعد، ويجبن لخاف من النار يوم أن وضع فيها.

المهم هنا ملاحظة انتقال إبراهيم -عليه السلام- بالدليل مع الملك، فترك ما فيه جدل ومراء إلى دليل مفحم، يحقق المطلوب بأسلوب موجز، وبطريق مستقيم.


١ سورة البقرة آية: ٢٥٩.
٢ تفسير الرازي ج٤، ص٤٠.

<<  <   >  >>