للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان الكنعانيون يعبدون الكواكب، ويصنعون الهياكل والتماثيل التي ترمز لها، وكانوا ينسبون الحوادث إليها، ويتصورونها تضر وتنفع؛ ولذلك رسموا رموزها على أبواب بيوتهم، وكان الواحد منهم يعبد عددا من الآلهة، بعضها في الليل، والآخر في النهار١ ... وهكذا عاش إبراهيم -عليه السلام- فترة بين الكنعانيين، تعلم لغتهم، وشاهد عاداتهم ودياناتهم، وعرف ما هم عليه في حياتهم نشاطهم، ولم يرض بشيء من فسادهم وضلالهم.

إن إبراهيم -عليه السلام- صناعة ربانية، يقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} ٢. إن الله -سبحانه وتعالى- عرف إبراهيم -عليه السلام- به، وأراه بالبصر والبصيرة، أنه -سبحانه- الرب المالك للسموات والأرض وما فيهما، من شمس وقمر ونجوم، وجبال وأشجار وسهول، وأن الكل مقهور تحت الملكوت الأعلى، مفتقر إلى الله في وجوده، واستمراره، وكافة شئونه، وبذلك كان إبراهيم -عليه السلام- من الموقنين باستحالة وجود إله غير الله تعالى٣.

لم يرتض إبراهيم -عليه السلام- أن يترك الناس على ضلالهم، ويستمر في عزلته، بل قام في أصحاب الكواكب يدعوهم إلى الله تعالى ... ولاحظ عليه السلام أن الكواكب تختلف عن الأصنام من عدة نواحٍ:

فالكواكب تتحرك وتسير في فلك منتظم، بينما الأصنام لا حراك لها، وتبقى في الموضع والصورة التي وضعت فيها.

- الكواكب تتخذ مدارا علويا سماويا, بينما الأصنام جماد في الأرض.

- الكواكب تتكون من عناصر مجهولة, وهي لبعدها تجعل الإنسان يذهب في تحليلها كل مذهب، بينما الأصنام معلومة التكوين والتركيب.


١ تفسير ابن كثير ج٢، ص١٥٠.
٢ سورة الأنعام آية: ٧٥.
٣ تفسير أبي السعود ج٢، ص١٥٢.

<<  <   >  >>