للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن اقتراح القتل لم يكن مسلما لديهم؛ لأنه جريمة قتل يباشرونها بأنفسهم, وإخفاؤها والخلاص منها أمر صعب، وفعلها لا يليق بهم.

ولذلك كان الاقتراح التالي وهو {اطْرَحُوهُ أَرْضًا} ومعناه: أن يرموه في صحراء قاحلة؛ ليموت بعيدا عنهم إما بالجوع، أو بالعطش, أو بافتراس الوحوش الضارية ...

والاقتراح الثاني لا يقل وحشية عن الاقتراح الأول, فكلاهما إزهاق للروح، وسفك للدم.

ومن ألاعيب الشيطان بهم، أن زين لهم تآمرهم، فعللوه برغبتهم في إبعاد أبيهم عن ضلاله، وبأنهم سوف يتوبون، ويكونون من عباد الله الصالحين، وسهل لهم الشيطان الجرم بتقديم العزم على التوبة قبل ارتكاب الإثم؛ لئلا يتراجعوا.

يصور الله تعالى هذا التآمر بقوله تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} ١.

لكن واحدا منهم توسط في الرأي، واقترح رأيا به يبعد يوسف عن أبيهم، وفي نفس الوقت يعيش في أرض بعيدة مجهولة، قال تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} ٢، رضوا هذا الرأي واتفقوا عليه، وبدءوا في التنفيذ ...

ذهبوا لأبيهم وطلبوا منه أن يرسل يوسف معهم للرعي والعمل، فلم يوافق على طلبهم لصغر سنه، فذكروا له أنه لن يعمل، وأنهم سيتركونه يلعب، ويجري، ويتنزه، ويستأنس بأمثاله من الصغار.

فبين لهم أنه لا يصبر على فراق ولده الصغير، وبعده عنه يحزنه، وأيضا فهو يخاف عليه من الذئب لصغره، والبرية ملأى بالذئاب.


١ سورة يوسف آية: ٩.
٢ سورة يوسف آية: ١٠.

<<  <   >  >>