للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في جسده بأنواع من البلاء، فرفضه الناس إلا امرأته"١.

وقد استمر أيوب -عليه السلام- في دعوة الناس إلى الله تعالى سبعين عاما، وكان فيها عظيم التقوى، رحيما بالمساكين, يكفل الأرامل والأيتام، ويكرم الضيف، وينصح بالحق في رفق ولين، ومن رفقه بقومه، وشدة تقواه أنه كان يمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله، فيرجع إلى بيته يكفر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق، ومخافة أن يكبهما الله في النار٢.

وذات يوم قال أخ له لآخر: لو كان الله يعلم من أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا البلاء، وسمعهما أيوب، فجزع من ذلك جزعا لم يجزع مثله قط، فقال لله: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة شبعانا وأنا أعلم مكان جائع، فصدقني، فصدق من السماء، وهما يسمعان ... اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط، وأنا أعلم مكان عارٍ فصدقني، فصدق من السماء، وهما يسمعان٣.

وهذه كلها شواهد حق على حسن خلقه، وصدقه في دعوة الناس التي استمرت سبعين عاما.

وبعد ذلك نزل به البلاء، ففقد ماله، وأهله، وولده، ولم يبق معه إلا زوجته، وأصيب بعد ذلك في بدنه حتى لم يبق في جسده عضو سليم.

وقد عاش أيوب -عليه السلام- في البلاء مدة طويلة، اختلف العلماء في تحديدها، وأقلها في أقوالهم ثلاث سنين، وأكثرها ثماني عشرة سنة ... وقد قابل أيوب هذا البلاء بالصبر، والاستسلام لله، عبودية وخضوعا، قالت له زوجته: يا أيوب لو دعوت ربك لفرج عنك.... فقال لها: لقد عشت سبعين سنة صحيحا، فهل قليل لله أن أصبر على البلاء سبعين سنة٤؟


١ فتح الباري ج٦ ص٤٢١.
٢ تفسير ابن كثير ج٤ ص٣٩.
٣ البداية والنهاية ج١ ص٢٢٣.
٤ تفسير ابن كثير ج٣ ص١٨٨.

<<  <   >  >>