للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رأينا أيوب -عليه السلام- ابتلي في نفسه، وماله، وأهله، وولده، فلم يجزع أبدا، وظل على حسن التقوى، وجميل الصبر مدة طويلة، راضيا بقضاء الله فيه.

وحاجة الدعاة إلى الصبر ضرورة؛ لأنهم دائما يجابهون أعداء الله في الأرض، وكثيرا ما يتمكن الأعداء منهم، وحينئذ يكون الصبر ملاذهم ومأواهم، وهو الأسلوب الأمثل لإثبات قوة الحق، وإظهار صلابة الإيمان وعزته.

ولحكمة أرادها الله تعالى ابتلى الأنبياء جميعا بصور شتى من البلاء؛ ليكونوا الأسوة لدعاة الله من بعدهم....

ومن الصفات التي يجب أن يتحلى بها الداعية، أن يكون رفيقا بمن حوله ومعاشريه، وأولهم أهله وبنوه، فهم المجال الأقرب لدعوته، وإيمانهم دليل على صدق الدعوة.... ولذلك أمر الله تعالى رسوله محمدا -صلى الله عليه وسلم- قائلا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} ١.

وهذا أيوب -عليه السلام- لما أقسم على أن يضرب زوجته مائة سوط، علمه الله أن يبر بقسمه، ولا يؤذي زوجته، ليتعلم كيف يكون رفيقا، رقيقا معها، ولم يأمر الله تعالى أيوب -عليه السلام- بترك الضرب بالكلية، ليعلم أن من حق الزوج أن يؤدب زوجته في حدود الرفق والمودة، والرحمة، ويرى الشافعي أن هذا المخرج جائز في الإسلام في غير الحدود، ويوافقه أبو ثور وأصحاب الرأي٢.

ومما يساعد الدعاة على القيام بواجب الدعوة أن يكون بيته مثواه الآمن، وراحته، وسكنه؛ ليستعين بذلك على المشاق، والصعاب، التي يواجهها مع الناس.

لقد أرشد إبراهيم ولده إسماعيل -عليه السلام- بطلاق زوجته الأولى لما رأى في أسلوبها ولقائها، ضجرا وتألما وشكاية من قدر الله تعالى.

إن القائم بأمر الدعوة إذا أدى حق الله، وحق الناس، وحافظ على ذلك تتكامل شخصيته، ويحقق لدعوته الخير والفلاح.


١ سورة طه آية: ١٣٢.
٢ تفسير القرطبي ج١٥ ص٢١٣, ٢١٤ بتصرف.

<<  <   >  >>