والوحي إلى أم موسى إلهام في القلب، يضعه الله فيه، فيقتنع به صاحبه ويطبقه١.
وقد ألهم الله أم موسى بأمرين:
١- أن ترضعه عقب ولادته وتشبعه، ولا تفعل كما تفعل الإسرائيليات إذا ولدن ذكرا؛ لأنهن كن يقتلن أولادهن بأيديهن، أو يسلمنه إلى جنود فرعون ليذبحوه.
٢- إذا خافت عليه من جنود فرعون, فعليها أن تلقيه في البحر بعد أن تضعه في تابوت، وألهمها الله -سبحاته وتعالى- بأنه لن يصاب بأذى، وأن الله سيعيده إليها، وسيجعل الله له شأنا ومقاما، وسيكون رسول الله إلى الناس، وعليها ألا تخاف عليه من أي أذى، كالضياع والموت، ولا تحزن لبعده عنها، أو مخافة القتل.
وتشير الآيات إلى التقاط آل فرعون لموسى من البحر، وتربيته في بيتهم، آملين أن يكون قرة عين لهم، وهم لا يشعرون أنه سيكون لهم عدوا وحزنا، وكأن القدر يقول لهم: "يا أيها الملك الجبار، المغرور بكثرة جنوده، وسلطة بأسه، واتساع سلطانه، قد حكم العظيم سبحانه وتعالى، الذي لا يغالب، ولا يمانع، ولا تخالف أقداره، أن هذا المولود الذي تحترز منه، وقد قتلت بسببه من النفوس ما لا يعد ولا يحصى، لا يكون مرباه إلا في دارك، وعلى فراشك، ولا يغذى إلا بطعامك، وشرابك في منزلك، وأنت الذي تتبناه، وتربيه، وتتفداه، ولا تتطلع على سر معناه ... ثم يكون هلاكك على يديه؛ لمخالفتك ما جاء به من الحق المبين, وتكذيبك ما أوحي إليه, لتعلم أنت وسائر الحق، أن رب السموات والأرض
١ يرى الجمهور أن الوحي لأم موسى كان إلهاما على نمط: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} , وذهب جماعة إلى أنه كان مناما، وذهب آخرون إلى أن مَلَكًا تمثل لها وكلمها به، وقال مقاتل: أتاها جبريل بذلك, فهو وحي إعلام لا إلهام، والكل يراها غير نبية "تفسير القرطبي ج١٣ ص٢٥٠".