للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكبر موسى -عليه السلام- وصار له شأن في مصر، وكان يأكل مما يأكل فرعون ويلبس من ملبسه، ويركب مركبه، إلا أنه كان يحب العدل، وينفر من الظلم؛ ولذلك عز به بنو إسرائيل وأحبوه، وامتنع القبط عن إذلالهم، وتسخيرهم.

وفي يوم ذهب موسى إلى أطراف مدينة "منف" ووصلها بعد نصف النهار، وقد أغلقت الأسواق أبوابها، ورجع الناس إلى بيوتهم، فوجد رجلين يقتتلان؛ أحدهما من شيعته، والآخر من عدوه، والمراد من شيعته أتباعه وأصحاب مذهبه؛ لأن الإسرائيليين كانوا على شيء من دين يوسف -عليه السلام- وأما عدوه فهو العابد للأصنام؛ لأن الجميع كانوا يتصورون موسى ابنا لفرعون، ويفسرون تعاطفه مع الإسرائيليين بسبب رضاعته منهم.

اقتتل هذان الرجلان فاستغاث الإسرائيلي بموسى، ورأى موسى أن القبطي معتدٍ، سبَّاب، شتم الإسرائيليين جميعا, فجاء إليه وضربه بقبضة يده, فقضى عليه ومات.

يقول قتادة: أراد القبطي أن يسخر الإسرائيلي ليحمل حطبا فأبى، فشتمه, فاستغاث الإسرائيلي بموسى -عليه السلام- ومن المعلوم أن إغاثة المظلوم دين في الملل كلها١. ولم يكن موسى يريد قتله، ولذلك ندم على فعله، وتاب لربه، وطلب من الله المغفرة، ووضح أن هذا من عمل الشيطان، وإغوائه ... يقول الله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ، قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ٢.


١ تفسير القرطبي ج١٣ ص٢٦٠.
٢ سورة القصص الآيات: ١٥, ١٦.

<<  <   >  >>