والأجرام، والآخر القلب وهو ينبوع روح الحياة، وجداوله عروق الأوراد الضوارب الناشرة لروح الحياة في جميع الأعضاء، والآخر الدماغ وهو ينبوع الحس، وجداوله العصب المحس الشامل لجميع الأعضاء المحسة. وقالوا أيضاً: لما رأينا الطبيعة تحكم أفعالها وتفصلها لعلة، ورأينا العلة غاية الفعال، ورأينا غاية أفعالها استيلالها روح الحياة، لأن الحياة أفضل أفعال الطبيعة التي إياها عمدت وإليها صمدت، وأول فعلة فعلتها من هضمها الغذاء في المعدة. واحتجوا على ذلك بأن قالوا: لما رأينا أفضل الأفعال وأكثرها وأقواها للحرارة ورأينا ذلك في جملة العالم في الجنس المستحيل منه الجنس النامي والجنس الحي فلما قضينا للحرارة بشرف الفعال، ورأينا الفعال أشرف أفعال الطبيعة شهدنا أن روح الحياة جزءاً من الحرارة. وضربوا مثلاً فقالوا: إنما مثل النفس في البدن كالشمس في العالم المسخنة بنفسها الفائضة بخيرها على جميع العالم. وزعم آخر أنها ذات موضع وتغتذي بما يشاكلها من غذاء البدن، وأنها عين سوى البدن تكون في البدن، وأنها علامة بنفسها متحركة، ووصفوها بصفتها فقالوا: النفس نور مفرد لا حر فيه ولا برد ولا طعم ولا عرف ولا صوت، وضربوا مثلاً فقالوا: لما لم نر الأبصار تدرك إلا الألوان والآثار بالنور علمنا أن الأبصار عاجزة عن العلم بالألوان إلا بإفادة النور إياها ذلك العلم، ولما لم يكن للشيء أن يفيد ما ليس من جوهره علمنا أن العلم من جوهر النور، فلما رأينا العلم من جوهر النور علمنا أنه معلول واحد، والمعلول الواحد لا يكون من علتين متضادتين، كالحر لا يكون من النار
والثلج، فلما صح هذا عندنا علمنا أن النفس ليست بمخالفة للنور، فقضينا على النفس والنور بالموافقة وأنهما من جنس واحد.
قلنا: ورأينا الآذان لا تدرك الأصوات إلا بالهواء الموصول للأصوات إلى الأصمخة، ولم نر الهواء أوصل ذلك إلا برقته وصفائه المشتبهين بالنور وصفائه، قالوا: وكذلك رأينا الخياشيم لا تدرك الأعراف إلا بالهواء، ورأينا