هذا لطيف إلى التقريب دوه ما طال وامتد، وكما استوفى الواجب الصورة بالكمال استيفاء وجود، انتفى الممتنع من الصورة في كل حال انتفاء عدم، فليس في الواجب من أجزاء العدم شيء، ولا في الممتنع من أجزاء الموجود شيء، وبالاضطرار لفظنا بآخر الممتنع. ثم إن الإمكان بعد هذا كله استعارة من الواجب شبها، واقتطع منه ظلاً، السعار أيضاً من الممتنع شبهاً، واسترق منه ظلاً. وذلك هو عدم ما. فصار من أجل الاستعارة والاستراق ينقسم إلى مراتب ثلاث: إلى الأكثر، والأقل، والأوسط.
فقال بعض من حضر هذه المقابسة: العجب أنه أخذ الشبه من اثنين وانقسم إلى ثلاثة؟! فقال له قائل في الجواب: إنه قد أخذ الشبه من الواجب في الأغلب، لقوة الواجب في صحة نفسه وثبات جوهره وصفاء عينه، وفي الأقل أخذ من الممتنع، وقوة الممتنع بإزاء قوة الواجب وضعاً وتمثيلاً، وقد تقاسمت القوتان الطرفين على تغايرهما، ألا ترى أن الكثرة من الموجود، والقلة من العدم؟ أعني أن صورة الوجود في الكثرة أظهر منها في العدم، والوجود بأسره في الوجود، والعدم في الامتناع، ونفي ما هو بهما أعني ما ائتلف من الشبه المأخوذ من الواجب، والشبه المأخوذ من الممتنع، لأنه إذا وفى ما قد استعاره من الشبه من الطرفين، وفي أيضاً ما له بالتوسط. واختلاف أبنية هذه الكلمات دليل بين وحجة واضحة على تفاوت ما بينها من الحقائق. فإذاً ألأمكان قد خلا من طبيعة يستقل بها، وعرى من صورة ينسب إليها، وعاد وحكمه حكم المركبات في الحس، والمفروضات بالوهم.
قال: ومما يزيد ما يمضي من القول وضوحاً أن الواجب لا يقف على إيجاب موجب في وجوبه، والممتنع لا يقف على منع مانع في امتناعه. فإن عرض في نفسك الواجب فاعلم أنه قد اقتضى شيئاً ولكنه الموجب، واستوفاه