لرجل على رجل حق فتقاضاه بالبينة، ثم أتى بعد يوم أو يومين يدعي عليه حقا غيره لا يعرف له سبب؛ فأراد أن يحلفه بالخلطة التي كانت بينهما في الحق الذي قد تقاضاه، فإن ذلك ليس له.
قال: سمعت مطرفا وابن الماجشون يقولان: من ادعى حقا على رجل لا شاهد له عليه ـ وقد كانت بينهما مخالطة - أحلف القاضي المدعى عليه أن ما له قبله هذا الحق، فإن نكل عن اليمين لم يجز للقاضي أن يقضي بالحق للمدعى حتى يحلفه، وإن لم يطلب المدعى عليه يمين المدعي.
وليس كل الناس يعلم أن اليمين ترجع على المدعي إن نكل عنها المدعى عليه، فليس يقضى للطالب بالحق إذا نكل المطلوب عن اليمين حتى يحلف الطالب، فإن حلف أخذ ما حلف عليه، وإن نكل بطل حقه.
وإن أقام رجل شاهداً على حق له، وأبى أن يحلف مع شاهده، رجعت اليمين على المطلوب، فإن حلف برئ، وإن نكل غرم ولم ترجع اليمين على الطالب؛ لأن اليمين إنما كانت هنا أولا للطالب، فلما نكل عنها ردت [على المطلوب].
فلو حلف برئ فلما نكل غرم؛ لأن اليمين في الذي لا شاهد له إنما كانت على المطلوب، فلما نكل عنها رجعت على الطالب، فلو حلف أخذ فلما نكل بطل حقه، لأنه أمكن منه بالحلف فأباه.
قالا: وإذا رد المطلوب اليمين على الطالب، فقبل ذلك الطالب، [ثم رجع عن المطلوب] عن ذلك، وقال: لم أكن أظنك تجترئ على اليمين. فليس له الرجوع عن ذلك قبل أن يحلف الطالب، ولا بعد أن يحلف وسواء كان ذلك عند السلطان، أو عند غير السلطان، [لأنه لزمه الحق كما يلزمه] لو أقر به، وهكذا سمعنا مالكا يقول وجميع مشايخنا، وهو الذي حكمت به حكامنا.