فقال لي: ينظر في ذلك فإن كان لرجوعه وجه يعرف ويتبين فالفضل والمتاع له، ولا خيار لصاحب البضاعة فيه، وهو ضامن لماله، وإن اتهم أن يكون انصرافه اغتنامًا للتجارة بالبضاعة، وتركًا لما أبضع معه فيه، فصاحب البضاعة عليه بالخيار؛ إن شاء أخذ المتاع الذي اشترى بماله، وإن شاء تركه وضمنه ماله، بمنزلة ما لو بلغ البلد فترك أن يشتري ما أمر به واشترى لنفسه غير ذلك، فصاحب البضاعة عليه بالخيار، وإنما رأينا الفضل والمتاع للمبضع معه إذا كان لرجوعه وجه يعرف، ولم يتهم أن يكون إنما انصرف متعمدًا تاركًا للمضي، لما وجد من التجارة فاغتنم ثمن البضاعة، بمنزلة ما لو بلغ البلد فلم يجد تلك السلعة التي أبضع معه فيها، ثم اشترى لنفسه بالبضاعة فيكون ذلك له، ولا يكون لصاحب البضاعة عليه خيار.
قلت لهما: فإن قدم البلد فقال: أتجر لنفسي بهذه البضاعة، وألزم نفسي ضمانها، فإذا كان خروجي ابتعت له سلعته التي أمرني بها، فتجر لنفسه بالبضاعة في صنف تلك السلعة التي أمر بشرائها أو في غير صنفها؟
فقالا لي: هو فيما فعل متعد ظالم حين ترك أن يبتاع له سلعته عند وجدانه إياها، ولعلها أن تكون حينئذ ممكنة رخيصة ويشتريها عند خروجه بما وجدها به من رخص أو غلاء، فذلك من التعدي، وما لا يسوغه أهل البضائع، فيكون ذلك ذريعة لهم إلى التعدي على أموال الناس.
قلت: فلمن تريان الأرباح التي أربح في تجارته بتلك البضاعة؟
فقال لي ابن الماجشون: أراها للمتعدي؛ لأنه كان ضامنًا لما ربح فيه، وإنما كان للمبضع الخيار للسلع التي كان اشترى ببضاعته لو أدركها قد فات الشيء الذي كان فيه خياره وصار الفضل لهذا بضمانه، ولا يشبه عندي تعدي المقارض ولا تعدي الأجير، وأرى السلعة التي اشترى له لازمة للمبضع إذا كانت على صفته التي وصف له.
وقال لي مطرف: أرى الأرباح كلها للمبضع؛ لأنها من ربح ماله ومن ربح سلع كان له فيها الخيار، فليس بيعه إياها قبل اختياره يقطع عنه خياره، وهو الآن لا يأبى أن يختار ربحًا قد ظهر له، وهو عندي بمثل