ولما أراد المرحوم محمد علي باشا أن يرسل طائفةً من الشباب النابهين إلى باريس؛ لينقلوا علوم الغرب وآدابه وثقافته, وطلب من المرحوم الشيح: حسن العطار, أن ينتخب لهم إمامًا من علماء الأزهر, فيه الأهلية واللياقة, اختار تعيين صاحب الترجمة لتلك الوظيفة١.
وكان الشيخ حسن العطار من المعجبين بذكائه, المقدرين كفايته وعلمه, فزكَّاه لهذا العمل الذي كان باكروة نجاحه ومطلع شهرته وانبلاج صبحه.
واتجه مع هذه البعثة إلى باريس موصًّى من شيخه العطار بأن يجدي على بلاده بعمل رحلة, يسجل فيها ما يشاهده في فرنسا من أحوال وأخلاق وعادات, فألف رحلته المشهورة التي سماها:"تخليص الإبريز والديوان النفيس" وقد شرع يتعلم الفرنسية منذ غادر مصر, وبذل فيها همه وعزمه, واتخذ له بعد وصوله إلى باريس معلمًا خاصًّا على نفقته، وما لبث في هذه البلاد حتى عرفه العلماء والأدباء وقدروه حق قدره، وكان للمسيو "جوما" فضل سابغ عليه بإرشاده وتعليمه ووفائه له في وده, كما فعل ذلك معه العالم الشهير "البارون دساسي".
وفي المدة التي أقامها بباريس بين سنة ١٢٤١ و ١٢٤٦هـ نبغ في العلوم والمعارف الأجنبية, ولا سيما في الترجمة في سائر العلوم على اختلاف مصطلحاتها, ولم تكن هذه المدينة البراقة الفاتنة لتصرفه عن التوفر على المثابرة والتضلع في ثقافة هذه البلاد, أو تجرح خلقه وحصانته, بل أكبَّ على عمله غير مدخر وسعًا, حتى ترجم خلال إقامته بباريس جمهرةً من الرسائل والكتب, منها:"قلائد المفاخر" الذي سنذكره في آثاره.
رفاعة بعد عودته:
ولما رجع من بعثته عُيِّنَ في سنة ١٢٤٩هـ بمدرسة الطب بأبي زعبل في