للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رَتَّبَ "لين" للدسوقي نصيبًا شهريًّا من المال, تقرَّ به عينه, وكانت عشرتهما هادئة, يحدوها الإخلاص, ويسودها الوفاق والمحبة.

والدسوقي يحدث عن جهد "لين" وجده ونبوغه ونبوغ أسرته, وما تضلع به من مهمةٍ علميةٍ, ورسالةٍ ثقافيةٍ, فهذان الابنان تعلمهما أمهما اللغتين الإيطالية والفرنسية, ويقرأ لهما خالهما شرح ألفية ابن مالك لابن عقيل, وأصغرهما وهو في الخامسة عشرة من عمره يجيد اللغة الهيروغليفية, يقول الدسوقي: فانظر يا ذا الكسل الذي هو أحلى مذاقًا من العسل, إلى هذا الاستعداد العجيب, والجد الغريب.

ثم يعود "لين" إلى بلاده, بعد أن قضى مع صاحبه العالم الأزهريّ حقبةً من الدهر, ناضرةً في عيشة زاهية زاهرة.

ثم أنقضت تلك السنون وأهلها ... فكأنها وكأنهم أحلام

ولم يغفل الدسوقي عن العشر الباقي من "تاج العروس" بعد سفر "لين", بل كان يقابل نسخته بالنسخ الأخرى, ويصحح خطأه, ويفسره غامضة, وينهيه إلى قسيس إنجليزي يقيم بمصر إذ ذاك, يدعى: المستر "ليد" ليرسله إلى "لين" في انجلتزا حتى تتم الكتابة.

وهذا الذي فعله "الدسوقي" مع "لين" إن هو إلّا جهد رائع, ومقدرة فائقة, وعلم يضطلع العزم النافذ والهمة البالغة.

وما من شك في أن الدسوقي أتيحت له بمخالطة المستشرق الإنجليزيّ في هذه المدة المتطاولة, أن يقف على ثقافة جديدة, وأن يطلع على أخلاق وعادات ما كانت تتيسر لغيره إلّا بالرحلة إلى انجلترا.

وما من شكٍّ في أن المخالطة زادت في إدراكه, وبسطت في أفق خياله, ووهبت له وهو الأديب الحساس الفكر المثمر والخيال الطريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>