للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأساتذة من العرب والغربيين، فأمدوها بعلمهم وثقافتهم وتوجيههم، وأما النديم فقد أقيم مديرا لها، فتعهدها برعايته وبذل لها كريم جهده وعنايته، وعلم فيها الأدب العربي والإنشاء، وقد أربى طلابها على ثلاثمائة في زمن يسير، وما زال "النديم" يحشد لها كل قواه حتى أثمرت أطيب الثمرات، ولبى الخديوي رجاءه مرة أخرى، فمنح الجمعية مدرسة البحرية لسعتها وجمال موقعها.

وكان النديم يعقد الحفلات العامة في بهو المدرسة يحضرها عظماء القوم، وسراتهم فيسمعون ما يطرب ويعجب منه ومن تلامذته، ثم ينصرفون ولا حديث لهم إلا ترديد ما سمعوه من العبارات الآخذة بمجامع الألباب مما نشط الأدب وروج سوقه، ودرب الألسنة على القول والارتجال.

ولم يقف نشاط النديم على ذلك، بل صور حال البلاد، وبين كيف تنال المروءة والشهامة بروايتيه الشهيرتين "الوطن -والعرب" مثلهما مع تلامذته بحضرة الخديوي فاهتز لهما، وبلغا من نفسه مبلغ التقدير والارتياح، ونفح الجمعية بما يقوي ساعدها ويحفز همتها.

ثم إن الحسد ألقي في نفوس حاسديه فسعت الوشايات، ودب دبيبها ففصل النديم من الجمعية، وأقصي عن إدارتها.

وكان من قبل ذلك يعالج الكتابة في الشئون السياسية والاجتماعية بقلم متحرر من السجع والصنعة، فعظم شأنه وذاع صيته، وتهيأت له مكانة أدبية بما كان يكتبه في صحيفتي "المحروسة -والعصر الجديد" اللتين قامتا على أثر إلغاء صحيفتي "التجارة- ومصر"، ثم أنشأ جريدة أسبوعية سماها "التنكيت والتبكيت" ظاهرها الهزل المضحك، وباطنها الجد اللاذع وحررها بأسلوب بديع لم يسبق إليه، ثم استبدل بها "الطائف" التي كانت سياسية محضة يخب فيها ويضع، وقد توانى لها من الشهرة والصيت ما لم يتوات لصحيفة قبلها، فإنها كانت أفسح ميدان للثائرين من حملة الأقلام ثم اغتصبها منه أمراء الجند في أثناء الثورة العرابية، فلم يدعوا له إلا اسمها ونشروا فيها كل ما يشتهون حتى انتهت الثورة العرابية.

<<  <  ج: ص:  >  >>