للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصاحة لسان وأبلغهم قوة بيان، وأقدرهم على المباغتة والارتجال إذ نهض للخطابة خمس مرات في هذا الحفل، فجود في موضوعاتها المختلفة، وبلغ من الروعة ما تتقاصر دونه الفصاحات دون تهيؤ أو إعداد.

وكان يغشى كثيرًا من المجالس والمحافل ليلقي فيها خطبة الحماسية التي تثير روح الثورة، وتبث روح الوطنية في نفوس الجماهير، ولم يبق محفل أو ناد إلا علا فيه صوته حتى مجالس الأنس والطرب لما أنها مجتمع للناس، وملتقى لطوائفهم كان يقتحمها فيلقي خطبة الحماسية فيها، وشهر النديم بذلك حتى إن المرحوم "محمد عثمان" المغني سئل في أي فرح تغني الليلة؟ فأجاب: في فرح فلان مع "عبد الله النديم".

وكثيرا ما كان النديم يستصحب معه الطلاب، فيقدم إلى الحاضرين أحدهم ليلقي خطبته، ثم ينهض على أثره فيلقي خطبه يؤيد فيها أفكار الطالب، ويتوسع في الشرح والبيان، ويثني على بلاغة الطالب وقوة حجته، وحسن منطقه، وما زال كذلك حتى ربى في نفوس النشء ملكة الخطابة، وشجعهم على النهوض بها فحل عقدة الألسن، ونشطها من عقالها وأجرى البيان من أفواه النشء المتقد حماسة ووطنية:

ويقول الأستاذ "أحمد شفيق باشا": إنه شاهد النديم يقدم المرحوم "فتحي زغلول" في إحدى الحفلات ليلقي خطبة، وكان الثاني طالبا في مدرسة الحقوق، وبعد أن أفاض في خطبته أمسك النديم بذراعه أمام الجمهور، وقال: "ألا تعجبون لما أبداه هذا التليمذ في خطبته من العلم والبيان، والتفنن في موضوعات مع أن "غلادستون" خطيب انجلترا لا يتناول في خطبته إلا موضوعا واحدا، وقدم مرة أخرى في إحدى الحفلات الطالب النجيب "مصطفى ماهر باشا"، وألقى في القوم خطبة بليغة فياضة استرعت إعجاب الحضور، وما انتهى منها حتى وقد النديم على أثره، وقال: "أشهدكم أيها الناس أن أمة يكون هذا مقدار استعداد التلميذ فيها لا يغلبها أحد على أمرها".

<<  <  ج: ص:  >  >>