للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في صحف غيره ثم في صحفه، ولو أنه جاء مستغلقا مبهم الغرض، ملتوي الأسلوب لما اتسقت له هذه المكانة المحسودة، وتلك الشهرة الذائعة.

ومما امتاز به "النديم" أسلوبه الساخر اللاذع، فقد كان يودع كتابته الحقيقة المرة والمغزى الموجع دون أن يصخب أسلوبه، أو يثير في متجهه ضجة.

على أن "النديم" يسهل ويتبسط، ويرق أسلوبه ولكنه يتصفح في عبارته، ويتأنق في صياغته، ويشك السجع ويمر بالمحسن لمامًا إذا أراد مجاراة الأدب في زمانه، فيأتي بما يشاكل أدب أقرانه مطبوعا بطابع التجويد والصنعة في رسالة إخوانية، أو خطبة منبرية يحررها، أو مقامة أدبية يصنعها إذا كتب في هذا الضرب من الكتابة نهج نهجا متبعا؛ لأن هذه الأساليب، ليست من عمل الفطرة والارتجال، ولا بد لها من قالب متفق عليها في أساليب المتقدمين١.

وللنديم مقالات قريبة من اللغة العامية في صحفة مثل مصري تفرنج وغيرها من هذا النوع، وصف فيها الرذائل الفاحشة، ونقد أحوال المجتمع وغيرها٢.

شعره:

نستطيع أن نقول: إن النديم كان خطيبا مطبوعا، ولكنه لم يكن شاعرًا مطبوعا وذلك؛ لأن النديم رجل ثورة والثورة لها خطباء فحول تعتمد عليهم، وكتاب أفذاذ تنهض بهم، ولكن ليس لها من شعراء من يغني هذا الغناء فما كان الشعر متسعا لهذه الأفكار الهائجة، وتلك الخواطر الصاخبة اتساع الكتابة والخطابة لذلك، نعم قد يتأتى للشاعر المقتدر أن يودع قريضه الخواطر الثائرة، ولكن الخواطر الثائرة شيء، والتحريض شيء آخر يتطلب أقوى من الشعر وسيلة وأداة، وأفسح منه ميدانا ومجالا، فقيود الشعر تحد


١ شعراء مصر وبيئاتهم للعقاد ص٩٣.
٢ الأستاذ المرحوم أحمد ضيف في صحيفة دار العلم السنة السادسة العدد الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>