من انطلاق الفكر وتضع التعبير موضعا ملتزمًا على أن الشعر لخواص الناس، والطبقة العليا منهم في الفهم والإدراك، فإذا أثار الشاعر بشعره، فإنما يثير الخاصة، ولا يبلغ من العامة مبلغا ينهضهم على ما يريده الرجال الثائرون.
ولكن الخطابة والكتابة يعلو كل منهما، ويهبط ويضيق حسب المقام، ويتسع فيتأدى بهما الخطيب والكاتب إلى كل نفس، ويداخل بهما كل شعور وحس.
فالثورات إنما تخلق زعماء خطباء لا زعماء شعراء.
نلخص من هذا كله أن النديم رجل الثورة خطيب في المرتبة الأولى من الخطباء، ولكنه ليس في هذا الأفق بشعره، وقد أتم شعره بسمة العصر، فتهافت على الصنعة وشد البديع، وإن لم يكن في كل حال كذلك، فإنه قد يصفو من أكدار التكلف وينحو نحو السلامة والوضوح، وقد يطمح أحيانا إلى أن يجاري بشعره فحول الشعراء.
والذي بأيدينا من شعر النديم قليل بالنسبة لما خلفه من ثورة شعرية عبث بكثير منها الأيام، فقد حدث الأستاذ "أحمد سمير" مترجمة في السلاقة بأن مؤلفاته منها ديوانان من الشعر يحتوي أحدهما على أربعة آلاف بيت من الشعر، ويحتوي الثاني نحو ثلاثة آلاف، ويقول:
"ولما كان في يافا أول مرة بعث إلى محررا يكلف به أن اطلب ديوان شعره الصغير من صديقه المرحوم عبد العزيز بك حافظ، فلما قصدته وجدته مصابا في قواه العقلية بما لم يدع للطلب مجالا، ثم كتب إلي ثانيا بأن ديوانه الأوسط عند. م. بك. ف فطلبته منه فاعتذر بأنه ضاع ... ".
فهذه ثروة شعرية كان فيها لذة لو أبقت عليها الأيام.