والخرافات، فلما رآهم منصتين إليه أخذ يفتري عبارات ينسبها إلى عنترة، وكلمات يعزوها إلى عمارة، وقد افترق القوم فريقين، وكل فريق منهم يدفع لهذا المحتال نقودا ليؤيد مشربه، ويمتدح بمن يميل إليهم، والمحتال مجد في التحريف متفنن في الكذب حتى قرب الفجر، فقال: -وبينما هم في قتال ونزال، وقد انكشف الغبار عن أسر عنترة: وسنخلصه الليلة القابلة- فقال أحد المجانين لا بد أن تخلصه الآن وخذ عشرة جنيهات، فأبى المحتال وسكت عن الكلام، فشتمه المجنون وهلت أصواتهما بالقبائح، وآل الأمر إلى الضرب والإهانة.
ثم ذهب المجنون، وقد تذكر أن عنده قصة عنترة، ولكنه أمي لا يقرأ فقصد غرفة ولده وأيقظه من النوم، وهو يبكي وقاله له: يا ولدي أبوك رزيء بمصيبة عظيمة، فقال له ولده: هل مات أخي؟ قال: أهون، هل هدم البيت الجديد؟ قال: أهون، هل ماتت أمي؟ كان أهون، ما الذي أصابك يا والدي؟ يا ولدي في هذه الليلة أخذوا عنترة أسيرا، فهات الكتاب وخلصه وإلا قتلت نفسي.
الولد: من عنترة يا ولدي؟ أتتكدر على حكاية مكذوبة، وقصة كلها تخريف وما لنا وعنترة؟ إن هو إلا عبد أسود أخذ شهرة بما صنعه من الشعر، وقتل بعض الناس بلاحق لولوعه بالنهب، وسعيه خلف مقاصده.
الوالد: أنت تشتم عنترة يا ابن آل..... ونزل عليه بعصاه حتى أسال دمه، وحلف عليه بالطلاق لا يبيت عنده ولا يعاشره، فخرج المسكين، وهو يسب الجهل وأهله، ويعجب من فساد أخلاق والده الذي أحدثه عدم التهذيب حتى ألحقه بالبهائم، وسلخ عنه جلد الإنسانية، فعارضه أحد جيرانه، وسأله عن حاله فقص عليه قصته مع والده، فقال:
طالما قلت لأبيك: فضك من عنترة وتعال اعمل "زغبي"، فما سمع كلامي فضحك الولد من سخافة عقل الاثنين، وقال:"لا شك أن الجنون فنون".
ومن أسلوبه وصفه اللاذع التهكمي الذي طبع بطابع الجدة والطرافة